مما جاء في كتاب لأمير المؤمنين عليه السلام أرسله إلى أهل مصر مع مالك الأشتر (رض)
لمّا ولاه امارتها قوله عليه السلام: "وإنَّ أخَا الحربِ الأَرِقْ، ومن نَامَ لم
يُنَمْ عنه"1.
وقد يكون من معناها ما يلي:
1- أولاً بحسب الموضوع والمناسبة وما دلَّ عليه السياق إن أمير المؤمنين عليه
السلام يستنهض أهل مصر للإستجابة لمالك الأشتر والانقياد له في مواجهة معاوية وحزبه
الفئة الضالة والمنحرفة والفاسقة، وحذرهم قبلها بنتيجة تثاقلهم وعدم الإستجابة
لقائدهم والنفر معه لمواجهة هذا العدو حيث قال: "ولا تَثّاقَلوا إلى الأرض
فتقروّا بالخسف وتبوءوا بالذل ويكون نصيبكم الأخسّ"2.
2- إن الإمام بقوله "من نام لم يُنَمْ عنه" يشير إلى أن الأعداء المحاربين
منهم خصوصاً دائمو التربّص بالفئة المؤمنة المحقة، وبالتالي فهذه دعوة إلى دوام
الإلتفات والإنتباه وعدم الغفلة عن الأعداء ومكائدهم وحركتهم، وبالتالي فإنه عليه
السلام يرسم قاعدة عامة أولى لمن يتولّى شؤوناً جهادية وقتالية حيث إن من صفاته
اليقظة والهمة العالية ودوام الحذر وعليه أن لا يركن إلى الراحة والإسترخاء؛ وثانية
إلى المجتمع الذي يعيش حالة الحرب فإن عليه أن يكون دائم الجهوزية لِرَفْدِ ساحات
الجهاد بما تحتاجه من عديد وعدة وأن لا يتوانوا عن التواجد في تلك الميادين
والساحات فالأعداء عادة ما يغتنمون فرصة الغفلة والتهاون ليفاجئوا المؤمنين بالحرب.
3- ويمكن أن نستفيد من هذه الحكمة في ميدان الجهاد الأكبر جهاد النفس والشيطان،
فالعدو الباطني كالعدو الظاهري يرى فرصته الذهبية لتوجيه سهامه السامة في أوقات
غفلة الإنسان عن هذا العدو وعداوته، فالنفس والشيطان لا ينامان، ولذلك نبهنا الله
تعالى عدواة هذا الخبيث والحذر منه حيث قال:
﴿إِنَّ
الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ
لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾3 وكذلك جاء في الأثر بالنسبة
إلى النفس: "أعدىَ عدوك نفسُك التي بين جنبيك"4.
فإن التراخي في التعاطي مع النفس وإجابتها إلى أهوائها يجعلها تطمع فتسترسل بما
تطلبه حتى تصل إلى الفظائع وأقبح القبائح.
فعلى الإنسان المجاهد لنفسه أن لا ينام ويغفل عنها بل عليه أن يكون دائم الحذر
والإنتباه وإلا فقد يكون في خطوة يستجيب بها لهذه النفس. تردِّيه في مهاوي الضلال،
فعلى الإنسان في جهاد نفسه أن يكون أشد أرقاً منه في جهاد عدوه الخارجي.
1- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم
البحراني)، ج5، ص202.
2- المصدر السابق.
3- سورة فاطر، الآية: 6.
4- الوافي.