من الحِكَم الدائرة على الألسن والأسماع دوران الزمن ما جاء عن أمير المؤنين عليه
السلام: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا"(1).
وفي معنى هذه الحكمة يقال إن النوم هو الحالة المعهودة غير الخافية على أحد وهي
حالة تطلق حقيقة على انغمار الإنسان في حالة تتعطل معها الحواس الظاهرة عن الإدراك
وفي المجاز تستعمل في معنى غفلة الإنسان عما حوله وعدم انتباهه ويكون ذلك غالباً
بسبب انشغال الإنسان بأمور أخرى تأخذ بوعيه وعقله وحواسه فكما أن الانتباه يطلق
حقيقة على استعمال الحواس الظاهرة كذلك يقال مجازاً على اقبال النفس والعقل على
الحقائق. وعليه فيمكن تصور معاني كثيرة لمقاربة مراده عليه السلام من الحكمة منها:
1- وقوع الموت في ساحة الناس بأخذ بعضهم يشبه الأمور التي تنبه النائم من نومه
وتوقظ الغافل من غفلته وهذا إلفات إلى أحد الأبعاد الإيجابية لخلق الموت.
2- إن الإنسان عندما يكون حياً فإن البصر، وهو مثال للحواس المادية، هو الفعال أما
عند الموت فإن الفعال هو البصيرة التي تقوى فترى النفس البشرية ما لم تكن تراه
وتنتبه إلى ما كانت عنه غافلة تطبيقاً لقوله تعالى:
﴿لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ
مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾
(2).
3- إن الناس نيام عن الحق تعالى وعن الأمور المعنوية بسبب انكبابهم على العلائق
الجسدية والمادية، ولن يلتفتوا إلىه تعالى وإلى المعنويات والروحانيات إلا إذا
فارقوا الدنيا، دنيا المادة والشهوات، فكأن الحكمة تأتي لتقول إن من يريد أن تتفتح
قواه الباطنية عليه أن يموت بهذا المعنى كما قد يفسر الحديث القائل: "موتوا قبل أن
تموتوا"(3) فمن يريد أن يرى آيات الجمال والجلال ويتذوق حلاوة هذه الرؤية لا يستقيم
له ذلك ولا يكون إلا بهذا اللون من الموت وهو الموت الأكبر.
(1) نهج البلاغة.
(2) سورة ق، الآية/22.
(3) بحار الأنوار، ج8، ص329.