فيما كان من قِصَار حِكَم الأمير عليه السلام قوله: "لا زيارة مع زعارة"(1)
ومعنى الزَّعارة: شَكاسةُ الخُلُق بمعنى الشراسة، وبالتالي فإن المفهوم من هذه
الحِكْمة أن شراسة الأخلاق وحِدَّةَ الطِبَاع في المتزاورين معاً أو في أحدهما على
الأقل تفسد الزيارة فتصبح كأنها لم تكن.ذلك أن الزيارة الحقيقية إنما تكون بين
متحابين أو على الأقل بين طرفين بينهما نحو من التآلف والأُنس، وأهم موانع ذلك سوءُ
الخُلُق والحدّة والشراسة، فيما أهمّ أسبابها هو حُسن الخُلُق الذي به تكون العشرة
الحسنة.وبالتالي فيمكن استفادة ما يلي من هذه الحكمة ذات البعد الاجتماعي:
أولاً: لعل الحكمةَ آتية في مقام الإخبار عن خلَّةٍ بشرية، وسنّة اجتماعية،
وهي أنه مع تنافر الطباع وتضاد الأمِزجة لا بد أن يقلّ التزاور.وعليه فإذا أراد
إنسان ما أن يكون مزوراً من أقرانه فعليه أن يلطِّف من حدّة طباعه، ويروضّ شراسة
أخلاقه.
ثانياً: إن شراسة الخُلُق، وحدّة الطباع تؤدي إلى محق وإذهاب ثمار وفوائد
الزيارة والتزاور من جهة دنيوية، فبدل أن تكون سبباً للمحبة والمودة أو على الأقل
تقريب المسافات وردم الهوات، ستكون سبباً يزيد المسافات، ويعمق الهوات، ويولد
البغضاء والعداوات، ومن جهة أخروية فبدل كون التزاور وسيلة لكسب الأجر والثواب
سيكون وسيلة لزيادة الذنوب والآثام، وبالتالي تحمّل تبعاتها وعقوباتها.
ثالثاً: بما أن الناس غالباً قد لا يكونون ذوي أخلاق شرسة وطباع حادة، وإنما
قد يحصل ذلك تحت ضغط الأزمات والمشاكل قد يصبحون كذلك في أوقات دون غيرها.وعليه ففي
الحكمة حينها إلفاتة إلى ضرورة انتخاب الأوقات الملائمة للتزاور بحيث يراعى فيها أن
لا تكون في ظرف يكون فيه أحد المتزاورين في حالة من التوتر النفسي الذي يجعله سريع
الإنفعال غير قادر على ضبط تصرفاته وانتخاب عباراته وذلك لتحقق الزيارة المأمول
منها وتؤتي أكلها بإذن الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين
(1) شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين عليه السلام - ابن ميسم البحراني.