من الحِكَم ذات الأبعاد النفسية والأخلاقية التي رُويت عن الإمام علي بن أبي طالب
عليه السلام قوله: «عَبْدَ الشَّهوة أذلُّ من الرِّق»(1).
مما لا شك أن الإنقياد للشهوة عبودية لها، وهو ذليل ومهين، لكن ما يستحق البحث فيه
هو الحكم الذي أثبت في هذه الحكمة وهو كون ذلّ ومَهانة عبد الشهوة، وبالتالي
عبوديته أشد من ذُلِّ ومهانة بل عبودية المملوك المسترَق! وفي محاولة فهم ذلك نورد
بعضاً من الوجوه المفيدة لهذه الشدة وهي:
أولاً: إن العبودية زمامٌ ينقاد به الإنسان إلى من يملك أمره، وهو غالباً
واحد، فيما الشهوة زمام مخلى في عنق صاحبها لمن يستطيع الإمساك بطرفه فيكون
الإنقياد إليه، فمَنْ بيده وعنده اشباع الرغبة وقضاء الحاجة، كان السيد المُطاع.
ثانياً: إن المملوك كثيراً ما تكون طاعته عن كره وغير رضى، بينما عبد الشهوة
ينقاد مُحباً راغباً بل لَهِفاً وملتذاً بعبوديته وانقياده، على أن العبدَّ
المسترَق غالباً ما يكون متألماً.
ثالثاً: إن بذل المال وسيلة ليعتق العبد نفسه من الملك، أما في عبودية
الشهوة فإن بذل المال فضلاً عن كونه غير مجدٍ للتحرر بل على العكس إذ أن عبيد
الشهوات إنما يبذلون المال لتحصيل البغية والمراد من الشهوات وهذا ما يزيدهم شغفاً
بها وعبودية لها.
رابعاً: إن العبد المملوك قد يُكافأ من سيِّده نتيجة إخلاصه في خدمته بالعتق،
وأحياناً قد تدرك السيد حالة من الرقة والرحمة فيرأف بالعبد ويخفف عنه وربما وصل حدّ
عتقه، وأما عبد الشهوة فإن من يملك زمام أمره عدوه الشيطان والنفس الأمارة وهيهات
أن يرحماه ويرقا لحاله.
خامساً: إن الرِّق ينتهي بالموت، وأما عبودية الشهوة فإنها تستمر إلى ما
بعده، وقد تصبح نتيجة هيمنتها على الإنسان صورته الواقعية التي قد تظهر يوم القيامة
على صورة السلسلة التي ذرعها سبعون ذرّاعاً.
وأخيراً: إن الحرية للأبدان لا تنفع مع عبودية النفس للشهوات، كما أن أسر أو
رقية الجسد لا تضرّ مع تحرر النفس، وهذا النبي يوسف عليه السلام نموذجاً، وقد جاء
فيما يقرر هذه القاعدة عن الإمام علي عليه السلام: «الحرُّ حرٌ وإن مسَّه الضرُّ،
والعبد عبدٌ وإن ساعَدَه القدر»(2).
(1) عوالي اللئالي.
(2) ميزان الحكمة.