ومن رائع حِكَمِ أمير الحِكمَة والبيان الإمام علي عليه السلام قوله: «لا ظفر مع
البغي»(1).
من الواضح أن كلامه عليه السلام يأتي في سياق ايجاد النفرة والإعراض عند الناس من
توسل الظلم لنيل المطالب وتحقيق الأماني، لذلك فقد جعل الحصول عليها من طرق غير
مشروعة بمنزلة عدمه.
إلا أن كلمة ظفر تستعمل كذلك في تحقيق الغلبة على العدو والسيطرة عليه.
وبالتالي فإن من يقهر خصمه على سبيل الظلم لا يُعدُّ في الحقيقة ظافراً به وإن رآه
العرف ظافراً.
فالإمام يقرر قاعدة ويؤسس حكماً وهو أن الظفر حقيقة وواقعاً إنما يكون بالوصول إلى
الأمر المطلوب عن استحقاق وجدارة وما حصل من مطلوب لغير المستحق أشبه بالمستلب
المسروق المنتزع على غير وجه الحق والمشروعية.
وذلك لأمور منها:
أولاً: أن من يغلب الضعيف العاجز على حق أو مال أو غير ذلك ظالماً متعدياً
يستحق في عاجل الدنيا المذمة على ألسنة الناس والإحتقار والنفور وسوء الظن به منهم.
ثانياً: الغالب بالظلم مذموم أيضاً على لسان الوحي ومبعد عن رحمة الله تعالى
حيث جاء في محكم التنزيل: ﴿ وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى
رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ
لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾
(2).
ثالثاً: إن ظاهر من يغلب بالظلم هو الظفر لكنه في باطنه وواقعه وحقيقة أمره
مهزوم، إذ إن شهوته ونزواته قد غلبت عقله ودينه وبالتالي حيوانه المتوحش افترس
الإنسان فيه. وهذا ما جاءت به الروايات عن الإمام علي عليه السلام «ما ظفر من
ظفر الإثم به»(3) و«الغالب بالشر مغلوب»(4).
رابعاً: كيف يكون ظافراً من كان موعوداً بالعذاب الأليم على فعله حيث توعده الله
تعالى قائلاً: «والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً»(5).
وختاماً فإن الباغي الظالم لا يصح أن يسمى ظافراً وإن تلبس بلبوس الظافرين بل هو من
الخاسرين.
(1) شرح مئة كلمة لأمير
المؤمنين عليه السلام ، البحراني ص 97.
(2) سورة هود، الآية: 18.
(3) نهج البلاغة، ج4، ص78.
(4) م.ن.
(5) سورة الإنسان، الآية:31.