من كلمات إمام الحكمة والبيان قوله عليه السلام: "الناس بزمانهم أشبه منهم
بآبائهم".
لا شك أن الإمام علي عليه السلام لا يريد بهذه الحكمة أن شبه الأبناء تكويناً بأهل
زمانهم أشدّ من شبههم بآبائهم وإنما المراد نحو آخر من الشبه له علاقة بجوانب أخرى
اكتسابية كالأخلاق والعادات، والميول والرغبات، والسلوك والأفعال وردات الأفعال،
والمنطق، والثقافة والأبناء والأذواق، والهموم والأولويات والإهتمامات، وفي المنطق
واللغة ولهجة الخطاب...
فالإنسان من هذه الجهات غالباً هو ابن زمانه وبيئته، ولا بد من الإشارة إلى أنه
عليه السلام لا يريد نفي شبه الأبناء حتى من هذه الجهات بآبائهم، ولكنه يريد القول
إن شبه الأبناء من هذه الجهات بأهل زمانهم أشد من شبههم بآبائهم.
أما لماذا؟ فيمكن ذكر أمور منها:
1- إن الطبع سراق، بمعنى أن الإنسان يتأثر بمحيطه لاشعورياً بسبب غفلة النفس غالباً
عن الإحتراز من التأثر بما تراه وتعايشه خصوصاً ما غلب على أبناء الجيل حيث يغدو من
المعيوش يومياً بل في كل ساعة. فلا يعمل الإنسان عقله قبل قبوله لها وأنسه بها ثم
التلبس بها وحمايتها.
2- أو لأن النفوس البشرية بالآخر تتشابه وتتماثل، في انفعالاتها وأن أفعالها
وتأثراتها إذا تلفت نفس التربية والثقافة وحملت نفس منظومة القيم والمبادئ، فأبناء
الجيل الواحد غالباً ما يواجهون نفس الظروف والعوامل السياسية، والاقتصادية
والأمنية والاجتماعية ولذلك غالباً ما تتشابه ردود أفعالهم عليها وتتشابه مواقفهم
منها.
3- أو بسبب افتراقهم عن آبائهم وإن تلقوا منهم التربية والتأديب والتعليم، لأنه
غالباً ما تكون فترة حياتهم مع غير آبائهم أطول من جهة، فضلاً عن أن زمان الأبناء
هو زمان مغاير لزمان الآباء فيكونون حينها أطوع لزمانهم في أخلاقهم وعاداتهم
وسلوكياتهم وأزيائهم لأجل كثرة المعايشة والمعاشرة بل حتى لو أكتسب الأبناء شيئاً
من آداب وأخلاق الآباء فربما يتحولون عنها إلى ما هو مألوف لديهم ويمتّ إليهم بحكم
التزامن والشاهد الأقرب ما رأيناه من تحول العرب والمسلمين عامة في أقل من قرن من
أزياء الآباء إلى أزياء الغرب بل إلى عاداته وثقافاته بل حتى إلى لغته.
وما يجدر الإلفات إليه أن العالم بسبب سرعة وسائل الاتصال سائر نحو زوال الخصوصيات
ذات الأبعاد الثقافية والعرقية بل حتى الدينية.