وكان من حِكْمَة أمير الحِكْمَةِ وقبلتها الإمام علي عليه السلام قوله: "الجَزَعُ
عند البلاءِ تمامُ المِحْنَة".
من المَعروف أن الجزعَ حالةٌ من الألم النفسي يصيب الإنسان نتيجة تعرضه لمكروه ما،
والبلاء هو الإختبار، والذي وإن كان أعم من ما هو مكروه أو محبوب من النِعم أو من
النِقم، إلا أنه في هذه الحكمة يُقصد بالبلاء الإختبار بالأمر المكروه وذلك لترتّب
الجزع عليه، والمحنة: الإمتحان وهي في المعنى كالإختبار، ويُقصد بها الإصابة
بالمكروه.
وخلاصة ما تفيده هذه الحكمة بدواً، أن من يجزعَ ويتألم عندما يُصاب بمكروه ما يكون
هذا التألم النفسيّ من قبيل إضافة بلاء آخر إلى البلاء الأول، وبعبارة أخرى إن من
يتألم نفسياً إلى درجة الجزع يكون قد أهلَّ نفسَه وأعدها بل أوردها إما إلى بلاء
آخر أو أنه كما هو الظاهر أضاف إلى البلاء الأول ما يجعله تاماً من حيث الأثر
والفعل في نفس الجزوع والمتألم؛ حيث إن المُصاب قد يكون بفقد محبوب أو فَوْتِ مطلوب،
وعند الجزع يفقد الإنسان إضافة إلى محبوبه نفسَه، حيث إنْ أراد المواجهة للواقع سوف
لن يجدَ حَوْلاً ولا قوة للمواجهة.
فالجزعُ يعمل على إضعاف قدرة الإنسان على المواجهة، ومن جهة أخرى يقوِّي أثُر
البلاء والمصاب.
والإمام كأنه يرشد إلى ضرورة تصويب علائق الإنسان لأن منشأ الجزع هو انكباب الإنسان
وحرصه على اللذائذ المادية والجسمانية ونزوع نفسه إليها.
وبالتالي كلما قطع الإنسان طمعه من أي شيء فإنه لن يحزن لفقده.
وثانياً: إنّ على الإنسان أن يوجّه نفسَه إلى الأمور الباقية، ويسعى إلى المطلوبات
الصافية، ويَقْصِر همّته على المحبوبات الدائمة غير الفانية، مع طلبها من وجهها بجدٍّ
واخلاص، فإنه حينها لن يفوته المطلوب ولن يفقد المحبوب، ولتكن الهمّة في أعلاهما،
ورائده في ذلك: "ماذا وَجَد من فَقَدك وماذا فَقَد من وَجَدك".