ومما جرىَ على الألسنة من حِكَم الإمام علي عليه السلام قوله عليه السلام: "العداوةُ
شُغْلُ القَلب".
ليس بخفيٍّ معاني المفردات الواردة في هذه الحكمة لذلك لا نتوقف عندها لنحاول فهم
كيف تكون العداوة شُغلاً للقلب وقد نجد ذلك من وجوه:
أولاً: إن العداوةَ أحدُ أهمّ مثيرات الغضب والقوة الغضبية عند الإنسان
لأنها تحفز شهوة الإنتقام، فبالعداوة يكون غليان المشاعر وتأجج الغضب، ثابتاً،
ويتجدد مع كل ذِكْرٍ أو فعل للعدو بل حتى عند خُطور العدو أو أفعاله السالفة في
البال والخاطر، وهذا يؤدي إلى انشغال القلب وقواه عن سائر الأمور التي ينبغي للقلب
أن يقوم بها.
ثانياً: إن القلب لديه قوة هي محل العلوم والمعارف ووسيلة التمييز بين
الأمور، وآلة معرفة الحق من الباطل، وتشخيص الصحيح من السقيم وهي العقل، فإذا كان
القلب مشغولاً بالعداوة حقاً فإنه سوف تعطل هذه العداوة استفادة القلب من العقل لأن
وقوع القلب تحت ضغط وتأثير العداوة مانع له من التعقل والإستفادة من القوة العاقلة،
وبمعنى آخر فإن صاحب القلب المشغول بالعداوة لديه مصباح يضيء له الطريق ولكنه
بالعداوة يكون قد وضعه خلفه لا أمامه وقد قال الإمام علي عليه السلام: «العقل
مصباح في يد القلب».
وكذلك كل من يكون مملوءاً بمشاعر الحب والبغض والعصبية فإنه يُعمي قلبه لأن ذلك
يطفئ نور العقل فيه.
ثالثاً: إن العداوة تجعل الإنسان الصادق فيها والمنقاد إليها دائم الإهتمام
إما بتحصيل الأمور المؤذية لعدوه ومبغوضه والتفكر فيها أو أن يكون دائم الإهتمام
بتحصيل ما يؤمنه ويسلحه ويخلصه من مكر عدوه وكيده وفي هذه الحال فإنه لن يعطي
الأمور حقها ولن يتوجه إلى المقاصد التي يفترض بالقلب أن يتوجه إليها.
أخيراً: إن سرَّ هذه الحكمة أتت لتنبهنا إلى ترك العداوات والانصراف عنها
إلى بناء الصداقات من جهة ومن جهة ثانية إلى أن لا ننسى أنفسنا فنستهلك طاقاتنا
وقوانا في العداوات إذا ما ابتلينا بها.
والحمد لله رب العالمين