من حِكَم باب مدينة العلم والحكمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حكمة يقول
فيها: "لسانُكَ يَقتضِيكَ ما عودّته"(1).
من المعلوم أن معنى اللسان واضح دون وضوحه كل بيان، وأما الإقتضاء فهو في الأصل
بمعنى لزوم شيء لشيء أو عنه وقيل إنه ها هنا بمعنى طلب الشيء والميل إليه، فالمعنى
المنسبق إلى الذهن من الحكمة هو أن القول الحسن كما القول السيء عادة يعتادها
اللسان، وذلك لأن كثرة جريان بعض الألفاظ على لسانٍ ما تجعله طيّعاً لها وتصبح هذه
الألفاظ سهلة وخفيفة عليه فكأن للّسان مَيْلاً إليها وأُنساً بها ويكون التكرار
والترداد كالتمرين للسان عليها.
وبالتأمل أكثر يمكن أن نوضح ذلك من خلال أمرين:
1 ـ إن ما ذُكر لا يعدو كونه ظاهر الصورة وقشرها، وأما حقيقة الأمر فهو أنه لما
كانت الألفاظ إنما كانت بازاء ما في النفس من معاني تريد اظهارها والإعراب عنها
إذخلف هذه المعاني ثمة تصورات، ومشاعر وعقائد وأخلاق وقيم ومفاهيم وإنما يستعمل
الإنسان لسانه لإخراج ما سبق بلبوس الألفاظ وقالب الكلمات فيما أصلها نابع من
مكنونات النفوس ومضمراتها.
وتلك الأمور إما أن تكون حقة يراد بالإعراب عنها اصلاح أمر من أمور المعاش أو
المعاد. أو على الضدّ من ذلك أي من الأمور الردية والباطلة فتصدر عن الإنسان
السخافات والتفاهات أو ما يراد به الأذى كالسب وأشباهه والغيبة والنميمة وأضرابها.
وفي هذه الحال فإن الألفاظ تكون صادرة عن ملكات مما يعني رسوخها ولزومها ودوام
حضورها في الذهن وعندها فطبيعي الأمر كثرة افصاح اللسان عنها بما يسانخها لفظاً
وحالاً.
2 – ويمكن القول أيضاً إن الإنسان عندما يريد الكلام تلقائياً يلجأ إلى مخزونه من
المعاني والألفاظ المعبرة عنها، فمن كانت عادته دوام الذكر للقبيح من الألفاظ حتى
غدا ذلك أشبه بالملكة فإنه عندما يحتاج إلى أن يعبر عن ما في نفسه حتى لو كان ذانية
حسنة فإن بضاعته من الألفاظ هي هذه فإن أراد التعبير عن الفرح أو الحزن أو الإعجاب
أو غير ذلك فسيعبر بألفاظ فيها الشتم والسب واللعن وما فيه ذكر لما يستقبح التصريح
به. لأنه إذا أراد أن يغرف من قاموسه سوف لن يجد غيرها أو على الأقل لأنها هي
الطافية على سطح النفس والمعتاد عليها اللسان. وهذا ما يشهد به زماننا الحالي فبعض
الناس لا يكاد ينظم جملة مفيدة إلا وفيها من الخنا وذكر العورات بصريح اللفظ.
نعوذ بالله من عادة السوء وصحبة السوء
(1) نهج البلاغة (قصار الحكم).