جاء من ما قَصُرَ من حِكَم الإمام علي عليه السلام في ما أورده الشريف الرضي في نهج
البلاغة قوله عليه السلام :
«لا اجتناب مُحرم مع حرص»(1) ورواها بعضهم بصورة أخرى وهي:
«لا اجتناب من مُحرم مع حرص» والفرق بين الصيغتين ليس بفارق يتوقف عنده.
وفي شرح هذه الحكمة لا بدَّ من الإشارة إلى أن الحرص كما يذكر ابن ميثم البحراني في
شرح المئة كلمة «هو بذل الوسع في طلب الأمور التي يمكن تحصيلها وهو أمر إضافي يختلف
في استحقاق الحمد والذم بحسب اختلاف الأمر المطلوب في الشرف والخسَّة»(2).
ويمكن أن نضيف إلى ذلك أنه المفهوم عرفاً ولغة من كلمة الحرص بدون قرائن هو شدة
الطمع. والإمام علي عليه السلام في هذه الحكمة يريد به المعنى السلبي لا المعنى
الإيجابي والممدوح الذي يراد به الحرص على كريم الخُلُق وسامي الدرجات وشريف
الغايات والنافع من العلوم ودرجاته العاليات.
فكون الحريص لا يقدر على اجتناب الحرام ذلك أن تمكن الحرص من النفس توقعه في أحد
موارد الحرام أو مقدماته الموصلة:
أولاً: يقال إن الحرص يحمل صاحبه على هتك ناموس حرمة نفسه وشق ثوب عزته وستر كرامته
الإنسانية، حيث بسببه قد يلجأ إلى السؤال الذي هو سبب المذلة والحقارة، بل ربما
يتلذذ بالسؤال لأنه يوصله إلى غايته وهو ما يحرص عليه ويطمع به، وهذا بنفسه من مصاديق الحرام إذ يكون قد أذل نفسه والمعروف كما في مضمون الحديث الشريف أن الله
أوكل إلى العبد جميع أموره إلا أن يذل نفسه.
وثانياً: إن من تحققت فيه صفة الحرص المذموم لا يقدر على اجتناب الحرام لأن المانع
من الوقوع في الحرام فضيلة الفعة، وعندما تنعدم العفة أو تتهتك فحينها ستزول
الموانع أمام حيوانية الإنسان بل شيطنته وستصبح نفسه الأمارة الطالبة لملذاتها بلا
لجام ولا كوابح وبالتالي فإن خروج الإنسان عن حدود العفة بالإفراط في الحرص والطمع
يوقع صاحبه في ضدها وهو الفجور ويصبح الحريص في زمرة الفجار لا في زمرة الأبرار لا
سمح الله وله الحمد أولاً وآخراً.
(1) المناقب.
(2) شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين عليه السلام ، ص100.