من رائع ما خُطَّ في كتاب نهج البلاغة من حِكَم الإمام علي عليه السلام حكمة قائلة:
«لا مروة لكذوب»(1)
إن المروة من الفضائل التي يتحلى بها ذوو النفوس الشريفة إذ إنهم بها يترفعون
ويحتشمون عن القبيح من القول أو الفعل أو الصفة، لإباء أنفسهم كلّ ما يؤدي إلى
السقوط من أعين الناس ومن عين الله تعالى وكل ما يجلب لهم المذمة والسباب الصادقين.
والكذب هو القول الذي لا يطابق الواقع؛ فإذا أدمن المرء الكذب وتعوده فسيصبح ملكة
متمكنة من النفس، والكذوب هو متعود الكذب، والمقصود من الحكمة هو أن صفتي الكذوب،
والمروءة لا يجتمعان في شخص واحد.
وذلك لأن الكذوب بسبب اعتياده الكذب لا شك أنه صار مُجترءاً على لزوم القبيح
والتظاهر به وعدم الإستحياء والخجل من فعله مهما كان أثر ذلك في المجتمع وفي نفوس
الناس. ومهما كانت ردات أفعال هؤلاء على كذبه وتظاهره به، حتى أنه لا يتأثر ولو
كذَّبه الناس في وجهه. ويمكن القول إن الكذوب لا يبالي لا بما اتفق على قبحه
العقلاء فبغضوه ولا يبالي كذلك بالنهي الصادر من الشرع المقدس بل بسبب هذه
اللامبالاة ينزل إلى أسفل درك من السفالة والوقاحة والخساسة غير مبالٍ بالمنزلة
التي أردى نفسه فيها.
وهذا لا شك منافٍ تمام المنافاة ومجانب تمام المجانبة للمروة وذوي المروءة فهذه
الصفة والفضيلة موجبة للإحتشام والترفع عن كل ما سبق فكيف يمكن أن تجتمع أنفة
المروءة مع خسة الكذوب وكيف تلتقي في وعاء واحد لنفس واحدة كرامة النفس ونبلها
وشرفها وترفعها مع الوقاحة في اقتراف الكذب على الملأ بل تكرار ذلك دون وازع أو
رادع.
وعليه فإن الحكمة تدل كذلك على أنه لا يصح عدُّ. من تعود الكذب في أصحاب المروءات
وذلك لأن المروة تسقط مع الكذب فضلاً عن تعوده. والحكمة داعية إلى لزوم ترفُّع
الإنسان خاصة ذوي الشرف والمقام عن الكذب ولزوم جادة الصدق للكون يوم القيامة مع
الصادقين.
(1) نهج البلاغة.