... ومما نُسب إلى الإمام علي عليه السلام من وجيزِ الحكمة ودقيقِ بيانها قوله عليه
السلام: "أَكْثَرُ مَصارع العقولِ تحت بُرُوقِ الأطماع"(1).
في اللغة مَصارع جمع مَصرع هو مَوضع فعل الصَّرع الذي يعني الغلبة للمَصروع ورميهِ
أيضاً، وإضافة المصارع إلى العقول معناه مواضع سقوطها من خلال وقوعها في الغلط
وانحرافها عن أداء دورها.
والمعنى الإجمالي للحكمة هو أنّ جريان الإنسان وراء أطماعه خصوصاً ما تَعِدُ الظروف
بتحققه يعطل استفادة الإنسان من عقله بل يجعله كالقتيل الذي صرعته وقتلته سهام هذه
المطامع.
وتفصيل ذلك: أن الطمع هو ميل الإنسان إلى ما تنزع إليه نفسُه من مُشتهيات وانشداده
إليها، وذلك رغبة في اللّذة التي يتوقعها من حصوله عليها، وعظم أمله ورجائه بالوصول
إليها والإلتذاذ بها، ونسبةُ البروق إلى الأطماع إما تشبيهاً لها بالبرق المتأتي من
احتكاكِ السّحاب ببعضه، فإنَّ البرق حينها يؤذن بسقوط المطر الذي يروي الأرض
ونباتها مما يعد بزرعٍ ذي غلال وافرة.
أو أنه عندما تظهر للإنسان ظروف واعدة بتحقيق الأطماع وحصول الآمال فإن هذا يشبه
البرق الذي يلمع من السماء فيخطف الأبصار. فكأن بوارق الأطماع والتلويح بها
لأصحابها يصيب سنا برقها البصيرة فتعمى عن تدبّر العاقبة؛ ففعل ذلك في العقول كفعل
البرق في الأبصار كما قال تعالى: ﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ ﴾(2).
والمقصود من هذه الحكمة هو التنبيه على وجوب التثبت عندما تلوح المطامع، بل من باب
أولى معالجة النفس من انحرافات القوة الشهوية حتى لا تقع تحت سلطانها فتأسرها
الشهوات وتسترقّها الأطماع وتستذلّها الرغبات والميول.
(1) نهج البلاغة.
(2) سورة النور، الآية: 44.