وكان من حِكَم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ذات الأبعاد النفسية والاجتماعية
والنفسية حكمة قائلة: "من أبدىَ صفحتَه للخلق هَلَك"1.
في المعنى اللغوي صفحة الشيء جانبه ومعنى الهلاك وإن كان كما ذكروا في الأصل السقوط
فالمعنى اللغوي هو أن من أظهر شيئاً من خصائصه سقط عن مكانه أو مقامه أو عرَّض نفسه
للهلاك والخطر ولعل ما روي من كون الرواية لها تتمة وهي كالتالي: "من أبدى صفحته
للخلق هلك عند جهلة الناس".
ويتبدى من معاني هذه الحكمة ما يلي:
1- إن من شهر سيف العصبية على الناس وثارت منه عليهم ثائرة الغضب فإنه يحملهم على
مواجهته بعصبياتهم في مقابل عصبيته وغضبهم في قبال غضبه وحينها يكون قد حملهم على
مواجهته إلى درجة قد تؤدي إلى هلاكه. وبالتالي فالحكمة آتية على هذا المعنى لتنهى
العقلاء عن استثارة المخاطبين من خلال تحريك نوازعهم وايقاظ عصبياتهم؛ وثمة إشارة
أيضاً إلى أن من يتوخى إقناع الناس عليه أن يكون حكيماً فلا يحمِّل خطابه لهم ما
يثيرهم عليه خصوصاً عندما يعيرهم بأصولهم ويشمخ عليهم بأصله.
2- ومن المعاني أنه عليه السلام يريد القول أن صاحب الحق عليه أن يكون حكيماً في
ابداء حقه واظهاره للناس فإن كان كتمان الحق في بعض الموارد مهلك فكذلك المجاهرة به
في بعضها الآخر مهلك فليست العبرة هي في كوننا أصحاب حق ونحمل الحق ونريد الحق بل
علينا أن نعلم أن الناس بسبب جهلهم تارة وأخرى بسبب منافعهم وأحياناً لتأثرهم
بالأجواء المحيطة والعادات الموروثة لا يكونون جاهزين لتقبل الحق بل قد يكونون على
العكس مما يؤدي إلى الهلاك.
3- ومن المعاني المستفادة أيضاً هي أن الأسلوب الذي ينتهجه البعض في بيان الحق
وطلبه قد يكون مشوباً بالخشونة والعنف والقسوة مما يعرض طالب الحق إلى الهلاك.فيبقى
أن على الإنسان أن يقدر الواقع والظروف والأشخاص لينتخب ما هو ملائم. فلا الشدة
دائماً نافعة ولا اللِّين كذلك.
وله الحمد أولاً وآخراً
1- نهج البلاغة.