وممّا أدَّب به الإمام علي(ع) البشرَ حِكْمَةٌ يقول فيها: "النُّصحُ بين الملأِ
تَقْريعٌ"
من الواضح الجليّ أنَّ النصيحةَ أدبٌ إنساني واجتماعي نابعٌ من وشائجِ وروابطِ
الاجتماع الإنساني المبنيّ على حبِّ الإنسان لأخيه الإنسان وحب وإيصال الخيرله،
وكذلك لدفع الشرّ والسوء عنه الذي قد يكون سببَ إقدامه عليه غفلتُهُ عن سوئه
وشرِّيته، أوعمّا يترتب عليه، وأخرى قد تكون النصيحةُ لإرشاد الغافل إلى ما يصلح له
أمورَ معاشه وبدرجة أولى ما يُصلح أمرَ معاده.
ولمّا كانت النصيحة نابعة من هذه الخلفيّة الشعوريّة النبيلة والسامية، وتحملُ هذه
الأهدافَ الجليلة والعظيمة، جاء إلفات الإمام علي(ع) إلى أنّ كمالَ النصيحة يكون
بالإسرار بها، حيث انه إذا أراد الناصح الخيرَ ودفعَ السوء، عليه أن لا يغلِّف
نصيحتَه، أو يَرفُقها بما يؤدي إلى تنغيصها، ذلك أنّ النّصحَ جهاراً ضدّ النّصح
شكلاً ومضموناً وأهدافاً، إذ المطلوب هو الرفق بمن نريد نصيحته فانّ النصيحة أمام
الناس وفي حضورهم يؤدي إلى اطلاع الناس على ما ربما يودُّ إخفاءَه وقد يعيبُه
إظهاره، ولا اقلّ مِنْ لَفْتِ نظرِ الناس إلى غفلته وقلّة حيلته وضُعف تدبيره، وهذا
بنفسه تقريع وبمثابة الإعابة عليه أمام الخلق، وثانياً فانَّ هذا النّصحَ أمام
الناس من شأنه أن ينفِّرَ من نُسديه له لما ذكرنا من اطّلاع الخَلق على احتياجه له
بعد كونه مُنفِّراً لطبعه مُوصِداً لباب سَمعه.
وحتى لو فرضنا أنّ ما تعلّقت به النصيحة ليس من الأمور التي يُخجل منها أو يُعاب
عليها ويُعيَّرُ بها، إلا انّه قد يُوحي النُّصح أمامَ الملأ بصُغْرِ العقل وقلة
الدراية ونقص الحكمة وهذا ما يجعل المنصوح يعتقد أن هذه النصيحة ربما أدت بالناس
إلى استنقاص عقله واستصغار رأيه لمجانبته الصواب.
ولذا كان النصح لاحتياجه له كأنه ضرب له بالكلام، وهذا ما يؤدي إلى التأذي ونفور
الطبع، ولأجل ذلك كان لا بد من أن ينبه أمير المؤمنين(ع) من خلال النهي عن النصح
أمام الملأ تنزيها وتأديبا للناصح لتسلم له النصيحة أثراً في الدنيا وثمراً وأجراً
جزيلاً في الآخرة والحمد لله رب العالمين.