"لا حياءَ لحريص" حكمةٌ من روائع قِصَار الحِكَم الواردة على صفحات نهج
البلاغة عن الإمام علي عليه السلام وهذه الحكمة ذات أبعاد أخلاقية نفسية واجتماعية،
إذ انه لا شك أنَّ الحياء الممدوح خلة نفسانية موجز معناها "انحصار النفس خوف
إتيان القبائح حذراً من الذمّ والسب الصادق".
فيما الحرص المذموم هو توجه الإنسان وبذله طاقته ووسعه في تحصيل الفانيات من الأمور
كالأموال واللذات. والحكمة آتية لتقول بان ثمّة منافرة بل تضادّ بين الحياء الممدوح
والحرص المذموم لعلنا نستطيع تلمّس وجه التعارض والتضاد والمنافرة بينهما من خلال
البيان الآتي:إن الإنسان المُبتلى بالحرص المذموم هو شخص انقلبت لديه الموازين
واختلّ عنده نظام القيم فتبدلت لديه الأولويات، والمعيار الذي يقيس به وعليه هو
المال أو السلطة أو الجاه أو الشهوة أو الأهواء إلى غير ذلك مما هو من مصاديقها أو
مماثليها فكل ما يوصله إليها ويمكنه منها ليس جميلاً وحسناً فقط وإنما أمر مطاع
وحاكم مُبجّل وربما غدا آلهاً يُعبد، فأمره مقدّم على كل أمر وكذلك فان الوسائل
الموصلة إلى ما ذكرنا آنفاً تصبح مشروعة مقبولة بل جميلة وحسنة أو على الأقل يفقد
الحريص حساسيته تجاهها إلى درجة هوان النفس وكرامة الإنسان، ففي التجارة تراه شديد
المخاصمة وكثير المماحكة حينما يساوم بائعاً كان أو شارياً وقد يقتحم أحياناً أبواب
الوقاحة أو الخشونة غير مبال بالصورة التي للناس عنه ولا بما قد يلحقه منهم من ذمّ
وشتم واهانات. وفي الخلاصة فهو قد لا يتورع عن أي فعل يحقق به أمانيه وآماله ولو
تلوثت سمعته واسودت صورته وبالتالي فهو غير متحقق في حقه معيار ومعنى الحياء لأنه
حينها لا خوف لديه من فعل القبائح ولا حذر عنده من ذم العقلاء ولا مبالاة بالاهانة
أو الشتم أو السب وهذا ما يخرجه إلى خارج حريم الحياء بالكلية. وعلى ما سبق فقد ظهر
وبان بشكل جلي أن الحرص المذموم والحياء الممدوح لا يجتمعان لان الحياء إنما هو
فضيلة من الفضائل التي تندرج بل تتصل بل تنبع من العفة والحرص على العكس من العفة
بل هو منزلة مقابلة متضادة معها. وفي الخلاصة ليكون الإنسان سائراً في طريق
الإنسانية سالكاً مسلك أهل الهدى والصلاح عليه أن يخلص نفسه من آفة الحرص المذموم
حتى لا تكون مانعاً بل مدمراً لمملكة الحياء ولفضيلة العفاف وعليه أن يقاوم حرصه
على الفانيات بحرصه على جميل الأخلاق وحميد الصفات أي عليه أن يقاوم حرصه على
الشهوات والأهواء والأموال بحرصه على فضيلة الحياء وليكن شديد الحرص على الحفاظ على
ما لديه منها بوقايتها من تسرب الحرص المذموم إلى داخل النفس.