ويمكن البحث في هذا العنوان من ناحيتين:
الأولى: أن إتيان الإنسان بحسنة بعد كل سيئة لأجل تكفيرها وتطهير النفس عن
الرجز الحاصل منها كاشف عن حالة يقظة للنفس وصلاحها، وهو يمنعها عن حدوث حالة
الغفلة والقسوة فيها، والمواظبة على هذا النحو من النظافة والنزاهة تورث ملكة
المراقبة وتزكية النفس، وهي من أفضل الملكات.
وقد ورد في الكتاب العزيز: أن (الحسنات يذهبن السيئات)[1].
وأن (من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات)[2].
وأن (من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فإني غفور رحيم)[3].
وورد في النصوص أنه: ما أحسن الحسنات بعد السيئات وما أقبح السيئات بعد الحسنات[4].
وأنه إذا عملت سيئة فأتبعها بحسنة تمحها سريعاً[5].
وأن المؤمن يوم القيامة ينظر في صحيفته، فأول ما يراه سيئاته، فيتغير لذلك لونه
وترتعش فرائصه، ثم يعرض عليه حسناته فيفرح لذلك نفسه، فيقول الله عز وجل: «بدلوا
سيئاته حسنات، وأظهروها للناس» فيقول الناس: ما له سيئة واحدة[6].
وأنه ليس شيء قط أشد طلباً ولا أسرع دركاً من حسنة محدثة لذنب قديم[7].
ومن عمل سيئة في السر فليعمل حسنة في السر. ومن عمل سيئة في العلانية فليعمل حسنة
في العلانية[8].
الثانية: في أن الحسنات يضاعف ثوابها، ويعجل في كتابها، ويثاب على مقدماتها
والسيئات لا يضاعف عقابها، ويؤجل كتابها، ولا يعاقب على مقدماتها:
وقد ورد في الكتاب الكريم: أن (من جاء بالحسنة فله خير منها)[9]. وأن (للذين أحسنوا
الحسنى وزيادة)[10].
وأن (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها وهم لا
يظلمون)[11]، وأن (الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً
عظيماً)[12]، وأنه (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً
كثيرة)[13]، وأنه (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل
في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء)[14].
وورد في النصوص: أنه لما نزل قوله: (فله خير منها) قال رسول الله: اللهم زدني،
فأنزل الله (فله عشر أمثالها) فقال رسول الله: اللهم زدني، فأنزل الله (فيضاعفه له
أضعافاً كثيرة) فعلم رسول الله أن الكثير من الله لا يحصى وليس له منتهى[15] (ويدل
الخبر على: أن الإقراض لله يشمل الأعمال الصالحة، فكأن العبد يقرضها في الدنيا
ويأخذها ربوياً في الآخرة، ولا بأس بالربا بين المولى وعبده).
وأنه إذا هم المؤمن بحسنة كتبت له حسنة، فإذا عملها كتبت له عشر حسنات، وإذا هم
بسيئة لم تكتب عليه، فإذا عملها أجل تسع ساعات، فإن ندم واستغفر لم تكتب، وإلا كتبت
عليه سيئة واحدة[16].
وأن صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال، فإذا عمل العبد سيئة قال له: لا تعجل،
وأنظره سبع ساعات، فإن مضت ولم يستغفر قال: أكتب فما أقل حياء هذا العبد ![17]
وأنه إذا أحسن المؤمن عمله ضاعف الله لكل حسنة سبعمائة وذلك قوله: (والله يضاعف لمن
يشاء) فأحسنوا أعمالكم، قيل: فما الاحسان؟ قال: كل عمل تعمله فليكن نقياً من
الدنس[18]. (واختلاف تضاعف الثواب: إما من جهة اختلاف مقام المؤمنين، أو اختلاف
مراتب خلوص النيات، أو وقوع الحسنات في الأمكنة الشريفة، أو الأزمنة المباركة، أو
غير ذلك).
آية الله الشيخ علي مشكيني - بتصرف
[1] هود: 114.
[2] الفرقان: 70.
[3] النمل: 11.
[4] الكافي: ج2، ص458 ـ الأمالي: ج1، ص209 ـ وسائل الشيعة: ج11، ص384 ـ بحار
الأنوار: ج71، ص242.
[5] المحجة البيضاء: ج7، ص85 ـ نور الثقلين: ج2، ص497 ـ بحار الأنوار: ج71، ص242.
[6] بحار الأنوار: ج71، ص242.
[7] بحار الأنوار: ج71، ص243.
[8] نفس المصدر السابق.
[9] القصص: 84.
[10] يونس: 26.
[11] الأنعام: 160.
[12] النساء: 40.
[13] البقرة: 245.
[14] البقرة: 261.
[15] بحار الأنوار: ج71، ص246.
[16] الكافي: ج2، ص428 ـ بحار الأنوار: ج5، ص327 وج71، ص246 ـ معالم الزلفى: ج1،
ص31 ـ بحار الأنوار: ج5، ص327.
[17] الأمالي: ج1، ص210 ـ وسائل الشيعة: ج11، ص355 ـ بحار الأنوار: ج5، ص321 و ج71،
ص247 ـ نور الثقلين: ج5، ص458.
[18] بحار الأنوار: ج67، ص64 وج71، ص247 وج74، ص412 وج96، ص291 ـ وسائل الشيعة: ج1،
ص90 ـ ثواب الأعمال: ص201 ـ الأمالي: ج1، ص227.