الخلق بالضم وبضمتين: الطبع والسجية، وهو صورة نفس الإنسان وباطنه في مقابل الخلق
بالفتح الذي هو صورة جسمه وظاهره، وهي تتصف بالحسن والقبح كاتصاف الجسم بهما، إلا
أن ذاك الاتصاف يكون تحت اختيار الإنسان وإرادته، لجل اختيارية اسبابها بخلاف صورته
الجسمية الظاهرية، وذلك لأن صورة النفس والروح البرزخية سواء قلنا بكون الروح في
ذلك العالم موجوداً مستقلاً قائماً بنفسه، أو حالاً في القالب المثالي تتبع صفاته
النفسية الدنيوية وتتشكل على وفق تلك الحالات والملكات، بل وكذا الجسم الدنيوي
للمؤمن المنشور من الأرض والمبعوث عنها بعد القيامة، فهو وإن كان على صورته
الدنيوية عند البعث والحشر إلا أنه يتشكل عند اقتراب الوفود على الله والورود في
الجنة على طبق الصفات والسجايا التي اكتسبها وحصّلها ورباها وحسّنها، ففي النشأتين
بعد الموت، أعني: البرزخ والقيامة تبلى السرائر الخلقية، وتتجلى السجايا الروحية
بالصورة البرزخية والأخروية، حيث أن إصلاح صورة النفس في الدنيا وتحصيل الفضائل لها
وإزالة الرذائل عنها بيد الإنسان، وللعقائد الباطنة من الكفر والإيمان وللأعمال
الظاهرة من الطاعة والعصيان دخلاً وافراً في تلك الصفات والملكات فلا جرم تكون
الصور البرزخية والأخروية في تشكل هيئتها وحسن منظرها وبياضها وقبح مظهرها وسوادها
بيد الإنسان، فله أن يشكلها بأي شكل أراد ويصورها بأية صورة شاء، غير أنه يبقى في
الشخص شيء من وصفه الكمي أو الكيفي السابق، ليتعارف به في تلك النشأة في أبناء نوعه
كما في «الكاريكاتور»، قال تعالى: (يتعارفون بينهم)[1].
ثم إنه قد يطلق حسن الخلق ويراد به حسن العشرة مع الناس من الأقارب والأباعد بطلاقة
الوجه وحسن اللقاء وطيب الكلام، وجميل المخالطة والمصاحبة ورعاية الحقوق وإعمال
الرأفة والإشفاق ونحو ذلك.
وقد يطلق ويراد به: حسن جميع الأوصاف النفسية الدخيلة في حسن الهيئة البرزخية أو
الأخروية، وهو الذي يصعب تحصيله، ولا يتحقق إلا لأولياء الله تعالى والأوحدي من
الناس، ولذا قيل في تعريف هذه الصفة بأنها: حالة نفسانية يتوقف حصولها على اشتباك
الأخلاق النفسانية بعضها ببعض، فهي حسن الصورة الباطنة التي هي صورة الناطقة، كما
أن حسن الخلق هو الصورة الظاهرة وتناسب الأجزاء، إلا أن حسن الصورة الباطنة قد يكون
مكتسباً، ولذا تكررت الأحاديث في الحث به وبتحصيله[2].
هذا، وأدلّة الباب وأخبارها توضح المراد من حسن الخلق بالتأمل فيها.
فقد ورد في الكتاب الكريم خطاباً للنبي الأقدس (ص): (إنك لعلى خلق عظيم)[3]. وقال
تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك)[4].
وورد في النصوص: أن حدّ حسن الخلق أن تلين جانبك وتطيب كلامك وتلقى أخاك ببشر
حسن[5].
وأن المؤمن هين لين سمح، له خلق حسن[6].
وأن خيار المؤمنين أحاسنهم أخلاقاً، الموطّئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون وتوطأ
رحالهم[7]. (رجل موطئ الأكناف أي: سهل الأخلاق كريم مضياف)
وأن من لم يكن له خلق يداري به الناس، لم يقم له عمل[8].
وأن اكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً[9].
وأنه: ما يوضع في ميزان امرئ مؤمن يوم القيامة أفضل من حسن الخلق[10].
وأنه: أول ما يوضع في ميزانه[11].
وأنه: أفضل ما أعطي المرء المسلم[12].
وأن حسن الخلق من الخصال التي تكمل بها الإيمان[13].
وأنه: ما يقدم المؤمن على الله بعمل بعد الفرائض أحب إلى الله من أن يسع الناس
بخلقه[14].
وأن صاحب الخلق الحسن يعطيه الله من الثواب كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدوا
عليه ويروح[15].
وأن العبد يكون له بعض التقصير من العبادة ويكون له حسن خلق فيبلغه الله به درجة
الصائم القائم (والثواب إما لنفس الصفة الباطنة تفضلاً، أو لما يظهر من صاحبها من
العشرة المندوبة فيترتب عليها ثواب الواجبات)[16].
وأن من أكثر ما تلج به الأمة الجنة، حسن الخلق[17].
وأن الخلق الحسن يميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد[18]، (الميث: الاذابة والجليد:
الماء الجامد).
وأن ما في الكفار من حسن الخلق أعاره الله إياهم ليعيش أولياؤه معهم في
دولاتهم[19].
وأن المؤمن مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف[20].
وأن أحسن الحسن الخلق الحسن[21].
وأن قوله تعالى: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة)[22] منها حسن الخلق[23].
وأنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم باخلاقكم[24]، أي: بطلاقه الوجه وحسن اللقاء.
وأنه حسن خلقك يخفف الله حسابك[25].
وأن حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة[26].
وأن النبي (ص) أطلق أسيراً من بين الأسراء وأعلنه أن الله أخبر بحسن خلقه، فأسلم
الأسير لذلك[27].
وأنه قال (ص): أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة مجلساً أحسنكم خلقاً[28].
وأن الخلق الحسن نصف الدين[29] (ولعل نصفه الآخر التقوى الذي هو حسن المعاملة مع
الله، وقد ورد عنه (ص): أكثر ما تلج به أمتي الجنة، تقوى الله وحسن الخلق)[30].
وأن حسن الخلق في الجنة لا محالة؛ وسوء الخلق في النار لا محالة[31].
وأن حسن الخلق خير قرين[32].
وأن النبي (ص) قال: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة وبيت في وسطها وبيت في أعلاها لمن
حسن خلقه[33].
وأنه: لا حسب كحسن الخلق[34].
وأن الكمال هو تقوى الله وحسن الخلق[35].
وأنه: أحسنوا صحبة الدين بحسن الخلق[36].
وأنه يزين الرجل كما تزين الواسطة القلادة[37].
وأن العجب ممن يشتري العبيد بماله كيف لا يشتري الأحرار بحسن خلقه[38].
وأنه: جمال في الدنيا ونزهة في الآخرة[39].
وأنه شجرة في الجنة وصاحبه متعلق بغصنها[40].
وأنه يعمر الديار ويزيد في الأعمار[41].
وأنه: يزيد في الرزق[42].
وأنه: أكرم الحسب[43].
وأنه: خير رفيق[44].
آية الله الشيخ على المشكيني – بتصرف يسير
[1] يونس: 45.
[2] راجع البحار: ج71، ص372.
[3] القلم: 4.
[4] آل عمران: 159.
[5] بحار الأنوار: ج71، ص389.
[6] الأمالي: ج1، ص376 ـ وسائل الشيعة: ج8، ص511 ـ بحار الأنوار: ج71، ص391.
[7] الكافي: ج2، ص102 ـ بحار الأنوار: ج71، ص380.
[8] بحار الأنوار: ج71، ص392.
[9] الكافي: ج2، ص99 ـ الأمالي: ج1، ص139 ـ وسائل الشيعة: ج8، ص503 ـ بحار الأنوار:
ج71، ص373 وج77، ص151.
[10] الكافي: ج2، ص99 ـ وسائل الشيعة: ج8، ص505 ـ بحار الأنوار: ج7، ص249 وج71
ص374.
[11] بحار الأنوار: ج71، ص 385.
[12] بحار الأنوار: ج71، ص386.
[13] بحار الأنوار: ج71، ص387.
[14] الكافي: ج2، ص100 ـ بحار الأنوار: ج71، ص375.
[15] الكافي: ج2، ص101 ـ بحار الأنوار: ج71، ص377.
[16] بحار الأنوار: ج71، ص395.
[17] الكافي: ج2، ص100 ـ بحار الأنوار: ج71، ص375.
[18] الكافي: ج2، ص100 ـ بحار الأنوار: ج71، ص375 ـ روضة المتقين: ج12، ص110.
[19] الكافي: ج2، ص101 ـ بحار الأنوار: ج71، ص378.
[20] الكافي: ج2، ص102 ـ شرح أصول الكافي: ص82 ـ وسائل الشيعة: ج8، ص510 ـ بحار
الأنوار: ج71، ص17.
[21] الخصال: ص29 ـ وسائل الشيعة: ج8، ص507 ـ بحار الأنوار: ج71، ص386.
[22] البقرة: 201.
[23] بحار الأنوار: ج71، ص383.
[24] الأمالي: ج1، ص20 ـ من لا يحضره الفقيه: ج4، ص394 ـ وسائل الشيعة: ج8، ص513 ـ
بحار الأنوار: ج71، ص383 وج77، ص166.
[25] بحار الأنوار: ج71، ص383.
[26] بحار الأنوار: ج71، ص384.
[27] بحار الأنوار: ج71، ص385.
[28] وسائل الشيعة: ج11، ص301 ـ بحار الأنوار: ج71، ص385 وج73، ص231.
[29] بحار الأنوار: ج71، ص385.
[30] الكافي: ج2، ص100 ـ وسائل الشيعة: ج8، ص504 ـ بحار الأنوار: ج71، ص375.
[31] وسائل الشيعة: ج8، ص506 وج11، ص324 ـ بحار الأنوار: ج10، ص369 وج71، ص383
[32] بحار الأنوار: ج71، ص387.
[33] الخصال: ص144 ـ بحار الأنوار: ج2، ص128 وج71، ص388 وج72، ص261.
[34] بحار الأنوار: ج71، ص389 ـ مستدرك الوسائل: ج8، ص445.
[35] بحار الأنوار: ج71، ص390.
[36] بحار الأنوار: ج71، ص391.
[37] نفس المصدر السابق.
[38] بحار الأنوار: ج71، ص392.
[39] بحار الأنوار: ج71، ص393 ـ مستدرك الوسائل: ج8، ص449.
[40] بحار الأنوار: ج71، ص393.
[41] الكافي: ج2، ص100 ـ بحار الأنوار: ج71، ص395.
[42] بحار الأنوار: ج71، ص396 وج78، ص257.
[43] بحار الأنوار: ج71، ص396.
[44] نفس المصدر السابق.