الغفلة عن الشيء معروف، والمراد هنا: غفلة القلب عن الله تعالى وعن أحكامه وأوامره
ونواهيه، وبعبارة أخرى: عما ينبغي أن يكون متوجهاً إليه ويكون حاضراً عنده.
ولها مراتب مختلفة: يلازم بعضها الكفر والطغيان، وبعضها الفسق والعصيان، وبعضها
النقص والحرمان، فالغفلة عن أصول الإيمان بمعنى عدم التوجه إلى لزومها وإلى قبولها،
كفر، سواء كان الغافل قاصراً أو مقصراً وإن لم يعاقب على الأول، والغفلة عن أداء
الواجب وترك الحرام مع التقصير، فسق، والغفلة عن الإقبال والتوجه إلى آيات الله
تعالى الآفاقية والأنفسية، وعن الاهتداء بذلك إلى وجوده تعالى وصفات جلاله وجماله
وعن التقرب بذلك لحظة بعد لحظة، وآناً بعد آن إلى قربه ورحمته، وعن كونه حاضراً
عنده بجميع شؤون وجوده وخواطر قلبه، ولحظات عينه، ولفظات لسانه، وحركات أركانه، نقص
وبعد وحرمان عن مقام السعداء والأولياء.
وهل ترى أهل الدنيا اليوم إلا غافلين عن الحق، لاهين عن التوحيد والإذعان بالرسل
والملائكة والكتاب والنبيين واليوم الآخر مع اختلافهم في مراتب الغفلة والبعد، كما
كانوا كذلك في الأمس وما قبل الأمس، ويلازم هذا العنوان الإتراف بالنعم والفرح
والمرح بها واللعب واللهو ونحوها.
وقد قال تعالى في كتابه: (إقترب للناس حسابهم فهم في غفلة معرضون إلى قوله: لاهية
قلوبهم)[1] وقال خطاباً لنبيه (ص): (فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي
يوعدون)[2] وقال تعالى: (والذين هم عن آياتنا غافلون
أولئك مأواهم النار)[3] وقال: (ولا تكن من
الغافلين)[4] وقال: (واتبع الذين ظلموا ما
اترفوا فيه وكانوا مجرمين)[5].
وورد في النصوص: أنه: إن كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا؟[6]
وأن كلما ألهى عن ذكر الله فهو ميسر[7] (أي: مثل المقامرة في انقطاع النفس عن الله
والتوجه إلى غيره).
وأن بينكم وبين الموعظة حجاباً من الغرة[8].
* آية الله الشيخ علي مشكيني – بتصرف يسير
[1] الأنبياء: 1 ـ 3.
[2] الزخرف: 83.
[3] يونس: 7 ـ 8.
[4] الأعراف: 205.
[5] هود: 116.
[6] بحار الأنوار: ج73، ص157.
[7] الأمالي: ج1، ص345 ـ بحار الأنوار: ج73، ص157 وج79، ص230.
[8] نهج البلاغة: الحكمة 282 ـ غرر الحكم درر الكلم: ج3، ص268 ـ بحار الأنوار: ج73،
ص157.