بسم الله الرحمن الرحيم
في الرواية المنسوبة لرسول الله صلى الله عليه وآله متحدثةً عن علاقة الأمة الإسلامية بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واصفاً انحدار وتراجع هذه الفريضة في حياة أبناء الأمة قائلاً: (كيف بكم إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وإذ تعجبوا زاد قائلاً: (كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف)، ليرتفع منسوب التعجب بسؤال عن إمكان حصول ذلك ليأتي قوله صلى الله عليه وآله: (كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفاً والمعروف منكراً).
ولعل هذه الرواية تريد القول إن هناك خطراً جدياً هو انقلاب القيم وحقيقته المسخ الثقافي والفكري؛ وهذا المسخ لا يحصل دفعة بل تدريجياً... وهو يشكل خطراً جذرياً على الإسلام فكراً وعقيدة وشريعة وقيماً ومفاهيم... حيث تنقلب الأمور كلها إلى ضدها... فيلبس القبح رداء الحسن، ويشوه الحسن فيوسم بالقبح.
وهذا الانقلاب يبدأ بحالة المهادنة للباطل والمنكر لتصبح عادية مألوفة يفقد أبناء الأمة تجاهها حساسيتهم فلا يتأذون من دخول هذه الملوثات ولا يستنفر دخول هذه الفايروسات في بدن الأمة جهاز مناعتها لطردها...
ثم يزداد الأمر ليدخل من ظاهر العمل والسلوك إلى باطن الشعور والعاطفة فتنقلب المشاعر من التنفر والإنكار إلى حالة قبول وأنس بالمنكرات بل إلى حالة ألفة ومحبة لتغدو مطلباً يعمل المجتمع على الترويج لها والدعوة إليها...
ويستمر الأمر في ذهابه إلى أسفل دركاته عندما ينتقل من عالم الشعور والعاطفة إلى لباب الإنسانية ومكوناتها الفكرية والثقافية ليصبح الباطل والمنكر ورهطهما ميزاناً ومعياراً، والمتلبسون بهما قدوة وقبلة القلوب والأنظار والمنكرون لها رجعيين ومتخلفين ومتحجرين وأعداء الحضارة... أليس هذا ما نراه في عالمنا اليوم الذي تملأه الأنانية ويروج لقطيعة الرحم والفحشاء، ويبيح القتل وإبادة الشعوب ويستغرق باشباع الشهوات والتفنن بألوان الشذوذ وتشريعه تحت عناوين الحرية وغيرها... وما نراه من أمتنا اليوم فيه ملامح من هذا الانحدار، وواقعنا فيه بالنسبة إلى كثير من القيم هو الدرك الأول وبالنسبة إلى بعض آخر هو الثاني وأما بالنسبة إلى بعض القيم والمفاهيم فقد استقر بنا الأمر عند الدرك الأسفل... فهلا عدنا لحراسة القيم بإحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟