تصدير الموضوع: قال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾1.
الهدف: التنبيه إلى أهم الصفات التي وصف القرآن الكريم فيها الأولاد وبيان التحذيرات في التعامل مع الأبناء.
المقدمة
لعل غريزة حب الأبناء من أشدّ الغرائز عند الإنسان، ولذلك تراه يسخّر جلّ حياته في سبيل سعادتهم وصلاحهم وتربيتهم وتعليمهم وسوى ذلك من مختلف شؤونهم الحياتية، كما وترى الإنسان ينتفض لأي سوء أو أذى يصيبهم ويتألم لأي مكروه ينتابهم وهذا ما عبّر عنه أمير المؤمنين لولده الحسن بقوله ".. ووجدتك بعضي بل وجدتك كلّي وكأن الذي أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني"2 إلا أن هذا الحب الفطري وخشية أن يطغى على الإنسان نرى أن القرآن الكريم أشار إلى بعض التحذيرات التي ينبغي أن يضعها الإنسان نصب عينيه في تعامله مع أبنائه حتى تبقى هذه العلاقة على الجادة الصواب فلا تجمح بصاحبها إلى الإفراط أو التفريط المهلكين.
أ- أنهم فتنة: قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾3.
والمراد هنا أن شدّة التعلق بالأبناء تجعل الأهل يفكرون بمصالح أبنائهم الدنيوية ويغفلون عن واجباتهم الأخروية، فبدل أن يكون الإبن جسراً لعبور الأهل إلى الجنة يصبح فتنة تعمي عليهم الجادة الصواب وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. فالأبناء كما في القرآن زينة لقوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾4 ، والزينة فتنة وابتلاء للإنسان لقوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ﴾5.
ب- أن منهم عدواً: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم﴾6.
والقرآن صريح في التحذير من بعض الأولاد الذين تنطبق عليهم صفة العداوة، كأن ينجرف هؤلاء الأبناء في متاهات الضلالة، وقد يقترفون أحياناً بعض الكبائر الموبقات فيقوم الأهل بالوقوف إلى جانبهم والدفاع عنهم وإظهار الرضا بأعمالهم، ومن المعروف أن من رضي بفعل قومهم شاركهم في الإثم واستحق العقاب معهم.
ج- أنهم قد يلهون عن ذكر الله: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾7.
وفي الآية دلالة واضحة على أن الهدف الأسمى الذي وضعه الله للإنسان هو أن يبقى ذاكراً لله تعالى على اختلاف صنوف الذكر، ويجب أن نحذر من أن يحيد بنا حبنا لأبنائنا عن هذا الهدف لتصبح محبتهم هدفاً مستقلاً في قبال الهدف الإلهي.
د- إنهم لا يقربونك عند الله زلفا: قال تعالى: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُون﴾8.
هـ- إنهم لن ينفعوك يوم القيامة: قال تعالى: ﴿لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾9.
وقال تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ﴾10.
وهذه الآية تحذر الإنسان من الرهان على أولاده في النجاة في الآخرة، فيوم القيامة يوم لا ينفع المرء حسبه ولا نسبه ولا عائلته ولا قرابته وإنما يحشر مع عمله ولا شيء سواه، وفي قوله (يفصل بينكم) إشارة هامة إلى ضرورة هذا فصل الإنسان لآخرته عن آخرة أبنائه، وأن هذا الفصل ينبغي أن يعمل عليه من الدار الدنيا.
و- لا يصرفون العذاب: قال تعالى: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾11.
إن بسط الرزق من المال والولد إنما يجري بين العباد وفق مشيئةٍ إلهية لا يعلمها إلا الله ولا علاقة لهما بصرف العذاب عن الإنسان، فلا قلة الأولاد ولا كثرتها ولا عدمها يعدّ منقبةً للمرء أو مادةً للتفاخر أو سبباً لتخفيف عقاب الله أو استزادة في الثواب.
ز- إنه ليس من أهلك: وهذا ما عبّر الله به عن ابن نبي الله نوح إذ قال تعالى: ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾12.
والمروي في التفاسير أن الله لم ينفِ بنوة ابن نوح له بل اعتبره ليس من أهله الذين كُتبت لهم النجاة، مما يعني أن أهل المرء الذين يسعى لمودتهم ونجاتهم هم أهل عقيدته وفكره لا أهله نسباً وإن كانوا كفاراً، ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾13.
1- الكهف 46.
2- نهج البلاغة، خطب الإمام علي، ج3، ص38.
3- سورة الأنفال 28- 29
4- الكهف 46.
5- الكهف 7.
6- سورة التغابن14
7- سورة المنافقون 9
8- سورة سبأ 37.
9- سورة الممتحنة 3
10- المؤمنون 101.
11- سبأ 35.
12- هود 46.
13- ال عمران 68.