تصدير الموضوع: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله"1.
الهدف: التنبيه على الأهمية الشرعية والآثار المترتبة على إدعاء الفقر والتمسكن وطلب المال من غير وجهٍ شرعي أو حاجةٍ نصّ عليها الشرع المقدس.
المقدمة
لا يخفى أن الإسلام وضع ضوابط لموضوع الفقر وتعريفات محددة للفقير والمحتاج والمسكين وأصحاب الحاجات وموارد صرف المال على مستحقيه وكمية هذا المال وطريقة صرفه إلى سوى ذلك من الأمور التي لم يجز الشرع تجاوزها، ومن هنا فإنَّ التمسكن وادعاء الفقر وقلة ذات اليد والطلب الدائم وإبراز الحاجة والفاقة بشكلٍ مستمر من الطبيعي أنها حالة غير صحية في المجتمع الإيماني ولها آثارها السيئة على هذا المجتمع، كما أنه من الطبيعي أن هذه الحالة لها أسبابها النفسية والتربوية والاجتماعية التي يجب معالجتها مقدمةً للتخلص من هذه الحالة المرضية.
أسباب إدعاء الفقر
ضعف الثقة بالله: وذلك لأن الفقر مما يخوّف الشيطان الناس به ويعدهم بالفقر كما صرّح القرآن الكريم بذلك، قال تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾2، وعليه فإن فهم الفقر والخوف من الإفتقار والشعور الدائم بالحاجة ما هي إلا وسائل وأساليب يعمد الشيطان من خلالها لإضعاف ثقة الإنسان بربه وتوكله عليه مقدمةً لإيقاعه في الشبهات بل وفي المحرمات عدم مراعاة الضوابط الشرعية: فالإنسان الذي يراعي الضوابط الشرعية والحدود التي أمر الله تعالى بها لا يطلب المال كيفما كان وعند أي ابتلاء أو امتحان إلهي، بل يفكر في عاقبة أفعاله وفي المال الذي سيصله وهل يستحقه أو لا.
ومن أهم الموارد التي تشير إلى ذلك قصة ذلك الرجل الذي جاء إلى رسول الله مراراً يطلب العون والمساعدة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجيبه في كل مرة بنفس الجواب قائلاً له: من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله3 ، إلى أن قرر الرجل العمل وأن يجني ماله بتعبه فصار يجمع الحطب ويبيعه إلى أن جمع مالاً وفيراً أدرك بعدها فحوى كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والعبرة الأساس التي ينبغي أن نلتفت إليها هل من يدّعي الفقر سأل نفسه واقعاً أنه هل بذل جهده وعمل ما بوسعه ولم يوفق لقضاء حاجته أم استسهل إراقة ماء وجهه وطلب اليسر بأسهل الطرق وأبغضها إلى الله.
الخوف من المستقبل: فيبقى الإنسان في حالة من القلق من المستقبل متناسياً أن الله قد أمّن له ولكل الناس حياتههم طيلة كل هذه السنين، فالخوف من المستقبل ليس سوى ضعف في التوكل ونقص في الإيمان، فليس أجلب للفقر من الإفتقار ولا أدعى للبؤس من التبؤس، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من تفاقر افتقر4، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله يحب إذا أنعم على عبدٍ أن يرى أثر نعمته عليه، ويبغض البؤس والتبؤس"5.
التشبه بمن هو أغنى منه: وهي من أسوأ الآفات التي يبتلى بها المرء حين ينظر إلى من هم أيسر منه ويُتخيل له أنهم يعيشون سعادة عالية من خلال أموالهم، ويفوته أن الإرتباط بالله وحده الذي يجعل من حياة المرء حياةً سعيدة، وأن المال وكل الأمور المادية لا يمكن أن تشتري للإنسان سعادةً أو هناء.
ولعل من أبرز مصاديق ذلك أن يلجأ الشخص إلى شراء كافة مستلزماته الضرورية والكمالية وهو في أول عمره تشبّهاً بمن هم أيسر منه ويغرق نفسه في الديون وبالتالي يعجز عن إيفائها عند استحقاقها فيعتبر نفسه مستحقاً للمال الشرعي والوقوف إلى جانبه غافلاً عن أن لوازم الحياة لا يمكن أن تؤسس دفعةً واحدة، وأن البيوت إنما تبنى تدريجياً وشيئاً فشيئاً، وغافلاً كذلك عن أن المال الشرعي لا يصرف في الأمور الكمالية أو أن الشيطان يوحي إليه بضرورة هذه الكماليات.
علاج التمسكن
تعزيز الإيمان بالله: فثقة الإنسان المؤمن بالله كبيرة وهو يدرك تماماً أن الله قد رزقه ولم يبخل عليه يوماً، وأن هذا الرزق مقسوم من الله فلا إدعاء المسكنة يزيد فيه ولا إظهار الغنى ينقص منه، بل قد ورد في الإستحباب ضرورة إظهار الغنى والتحدّث بنعم الله على الإنسان، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾6 ، وقال تعالى: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّف﴾ 7، وعن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن بشرُهُ في وجهه وحزنه في قلبه"8.
مراعاة الضوابط الشرعية: وهذا مبني على ضرورة التفقه في هذا الجانب وموارد صرف المال العام والحقوق الشرعية وتعريف الفقر والمسكنة والغنى والحاجات الضرورية والأشياء الكمالية والأمور التي يمنع صرفها والثواب الذي أعدّه الله للمتقيد بهذه الضوابط والعذاب الذي توعّد الله به من تعدّى حدوده، وعلى كل حال فالإسلام يعلّمنا أن ننظر في الأمور المادية إلى من هو دوننا وفي الأمور الإيمانية إلى من هو فوقنا وليس العكس.
تعزيز الإيمان باليوم الآخر: فإن ذلك له أثره الكبير في مقاومة ضعف النفس وقبول الإبتلاءات التي تعترض حياة الإنسان واتخاذ القرار الشرعي إزاءها، بل إن هذا الإيمان من شأنه أن يعزز ثقافة التسليم بقضاء الله والرضا بحكمه على كل حال وإنتظار الثواب الجزيل ورفيع الدرجات في الآخرة جزاء صبره وثباته.
1- الكافي، ج2، ص 138
2- البقرة 268.
3- الكافي، ج2، ص 138
4- تحف العقول، ص 42.
5- تحف العقول، ص 56.
6- الضحى 11.
7- البقرة 273.
8- نهج البلاغة، ج4، ص78.