مقدمة الكلام
لقد صنع العظماء وعلى امتداد التاريخ مسيرة التكامل بخطواتهم الثابتة، فتقدموا أثناء الصعاب والمشكلات ووصلوا إلى القمم ليرفعوا لواء الكرامة والعزة الإنسانية بالعلم والإيمان.
في هذا الاطار احتل علماء الإسلام الذين هم الورثة الحقيقيون لأنبياء وأوصياء الله مكاناً خاصاً تابعوا من خلال مسيرة رجال الله تعالى. لقد عمل هؤلاء ليل نهار على النهوض بأنفسهم ومجتمعهم فكانوا مشاعل مضيئة تتقدم البشرية في حركتها.
أما التوقف عند حياة هؤلاء العظماء فيساهم وإلى حدود كبيرة في اتّباع خطواتهم واتّباع طريق الكمال والفضيلة.
ويُعتبر الأستاذ مطهري رحمه الله من الأشخاص القلائل الذين جمعوا العلم والحكمة والعرفان فكان في حدِّ نفسه وجهاً نورانياً ومشعّاً، يزيل الظلام المحيط بالمجتمع. ومن هنا تبرز أهمية التعرف على أبعاد شخصية هذا الشهيد العارف والعالم ليكون قدوة يقتدي به الأحرار والمتدينون بالأخص جيل الشباب.
نظرة اجمالية على الشهيد مطهري:
ولد الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري رحمه الله في 12 بهمن عام 1298هـ.ش، في قرية فريمان. والده الشيخ محمد حسين مطهري.
انتقل إلى مدينة مشهد المقدسة في عمر الثانية عشر لتلقي العلوم الإسلامية. وقد تمكن خلال خمس سنوات من إتقان الدروس التمهيدية بالإضافة إلى الأدب العربي.
ودفعه عشقه لإِكمال الدراسة في مجال الفلسفة والعرفان الإسلاميين عام 1319هـ.ش. للالتحاق بدرس الفقيه الكبير والعالم الرباني الإمام الخميني رحمه الله في قم. حضر عام 1323هـ.ش دروس آية الله العظمى البروجردي وكذلك درس الميرزا علي آغا الشيرازي. وبدأ منذ العام 1329هـ.ش المشاركة في درس العلامة الطباطبائي.
انتقل إلى طهران عام 1331هـ.ش وبعد سنتين بدأ التدريس في كلية الإلهيات والمعارف الإسلامية في جامعة طهران وقد بدأ منذ العام 1334 التواصل مع المراكز الثقافية في طهران حيث بدأت محاضراته ومنذ ذلك الحين أيضاً بدأ تدوين كتبه.
اعتقل آية الله مطهري رحمه الله في 15 خرداد عام 1342هـ.ش بسبب مشاركته في نشاطات الثورة الإسلامية. بدأ منذ العام 1343هـ.ش وبتوصية من الإمام الخميني التعاون مع الجمعيات الإسلامية كالمؤتلفة وأسس في العام 1346هـ.ش حسينية إِرشاد بهدف تنظيم النشاطات الفكرية والثقافية.
اعتقل مرة ثانية عام 1348هـ.ش بتهمة جمع المساعدات للشعب الفلسطيني. ومنع في العام 1354هـ.ش من اعتلاء المنبر بسبب خطاباته الثورية. أبعد في العام 1355هـ.ش عن كلية الإلهيات فانتقل في السنة عينها إلى النجف الأشرف حيث التحق بالإمام الخميني قدس سره.
أسس عام 1356هـ.ش في طهران جمعية العلماء بهدف تنظيم وتنسيق نشاطات العلماء المؤيدين للثورة وتولى في العام 1357هـ.ش أثناء سفره إلى باريس مهمة تأسيس شورى الثورة الإسلامية بعد أن كلفه الإمام الخميني قدس سره بذلك. في الحادي عشر من شهر ارديبهشت عام 1358 وبعد ستين عاماً قضاها في العلم والجهاد استشهد الأستاذ مطهري على يدي مجموعة الفرقان.
فيما يلي نشير إلى بعض الخصائص الأخلاقية التي تحلى بها الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري رحمه الله:
التهجد والعبادة
تعتبر الخلوات العرفانية والعبادات المنطلقة من العشق واحدة من أبرز عوامل الموفقية في حياة الإنسان المسلم. وأما صلاة الليل وذكر الله فهي أمور تساعد الإنسان في تحصيل العلم، وحلِّ المشاكل، والوصول إلى الأخلاق، وتهذيب النفس وبالتالي تسوق الإنسان نحو الكمال. ويؤدي الإِقبال على اللذائذ المعنوية العميقة إلى امتلاك حالة من الاطمئنان والهدوء الروحي والنفسي وتجعل الإنسان موفقاً وثابتاً في مواجهة أمواج المشكلات وصعوبات الحياة.
يقول الشهيد مطهري رحمه الله في هذا الخصوص: "نحن نمتلك مجموعة من اللذائذ المعنوية التي ترفع من مستوى معنوياتنا. وهي عند أصحاب صلاة الليل والمتهجدين حالة تجعلهم من جملة الصادقين والصابرين والمستغفرين بالأسحار، وصلاة الليل لذة وبهجة... لقد شاهدنا هكذا أشخاص فوجدناهم لا يهتمون باللذائذ المادية".
يتحدث الشهيد مطهري حول والده ويقول: "أتذكر أنني كنت أرى هذا الشخص العظيم والشريف وهو لا ينتقل للنوم إلا بعد مضي ثلاث ساعات من الليل. كان يتناول طعام العشاء أول الليل وبعد ثلاث ساعات ينتقل للنوم ثم ينهض قبل ساعتين من طلوع الفجر وفي ليالي الجمعة كان ينهض قبل ثلاث ساعات. وكان يتلو جزءً من القرآن على الأقل، ثم ينهض لأداء صلاة الليل بهدوء وطمأنينة خاصة. واليوم وبعد مضي حوالي المائة عام من عمره أراه هادئاً مطمئناً لم يشهد أي ليلة مضطربة وهذه هي اللذة المعنوية وهذه هي التي جعلته لا ينسى الدعاء لوالديه كل ليلة".
أما الذي يرغب في الحصول على هذا النوع من اللذائذ فلا مجال أمامه سوى التقليل من اللذائذ المادية ليتمكن من الوصول إلى تلك اللذائذ المعنوية العميقة1.
وكان الأستاذ مطهري رحمه الله يتحلى شخصياً بهذه الروح العظيمة، وكان غارقاً في تلك اللذائذ المعنوية حيث كانت صلاته في الليل تؤثر على الآخرين. يقول الإمام الخامنئي دام ظله في هذا الخصوص: "كان المرحوم مطهري رحمه الله من أهل العبادة وأهل التزكية والأخلاق والروح. لا أنساه عندما كان يأتي إلى مشهد، كان يتردد إلى منزلنا، أو إلى منزل أقارب زوجته. في الليالي التي كان يأتي فيها إلينا كان ينهض وسط الليل للتهجد والعبادة.
كان يصلي صلاة الليل ويبكي بحيث كانت مناجاته وبكاؤه توقظ النائمين... نعم كان يصلي منتصف الليل وكان بكاؤه يسمع في الغرف المجاورة وكان كل ليلة يقرأ القرآن أما أثناء وجوده في السرير أو قبل ذلك"2.
مما لا شك فيه أن سر موفقية هذا العالم التقي هو الأدعية والمناجات الليلية.
الخضوع والخشوع في الصلاة
يتحدث حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد باقر حجتي في إحدى ذكرياته عن الحالات المعنوية للأستاذ مطهري ويقول: "دخلت المسجد في يوم من الأيام فوجدت الأستاذ مطهري رحمه الله في حالة إقامة الصلاة وكان الجو حاراً. كان شديد التركيز في صلاته بحيث لم يلتفت إلى دخولي. كان يصلي بتوجه وخضوع خاص بحيث جعلتني حالته هذه مشدوداً إليه. وبدل أن اقتدى به وجدت نفسي أنظر إليه. انتهى من الصلاة وعقب بالأدعية والتسبيحات، أما الحال والوضع الذي كنت أشاهده من الخلف فلا يوصف. وكأن القيامة وأحوالها قد وضعت..."3.
التواضع
التواضع واحد من الخصال الإنسانية الجميلة وقد أشار القرآن الكريم في آياته إلى أن التواضع من علامات العبد الصالح. وقد زين الشهيد مطهري حياته الطاهرة بهذه الصفة الإنسانية الجميلة وهو واحد من عبّاد الله الذين كانوا يتحركون في طريق الكمال.
ويظهر تواضع الشهيد مطهري من خلال كلام له رحمه الله يقول فيه:
"دعيت من قبل جامعة شيراز لإلقاء محاضرة. هناك حضر جميع الأساتذة وحتى رئيس الجامعة وقد تولى أحد الأشخاص الفضلاء التعريف بي. و هو من طلاب العلوم الدينية وقد انتقل فيما بعد إلى أمريكا للدراسة والتخصص فأصبح طبيباً.
اعتلى المعرّف المنبر وبدأ الحديث وكان الحضور كبيراً، فقال: "أنا أعرف فلاناً فقد كان في حوزة قم كذا و..." ثم قال في نهاية كلامه: "أقول هذه العبارة بجرأة كاملة، إذا كان زي العلماء فخراً للآخرين، ففلان هو الفخر لهذا الزي".
هنا شعرت بنار تحترق في داخلي نتيجة ما تفوه به. كنت أحاضر واقفاً. وكنت في العادة أضع العباءة على الطاولة، تحدثت قليلاً ثم توجهت إلى المعرّف وقلت له: "يا فلان! ما هذا الكلام الذي خرج من فمك؟ هل تدرك حقاً ما كنت تقول؟! من أكون أنا لتقول بأنني الفخر لهذا الزي؟".
ثم قلت له: "يا فلان أنا ليس لي في عمري إلا فخر واحد، وهو هذه العمامة والعباءة. من أنا لأكون فخراً؟... إذا قَبِلنا الإسلام فهو فخرنا. إذا قَبِلنا الإسلام فهو وسام نضعه على صدورنا..."4.
كان هذا العالم الكبير شديد التواضع أمام العلماء وكان يفتخر بكونه عالماً ويردد: "أنا افتخر دائماً بسلوكي في سلك هذه الطائفة، وافتخر أنني تربيت في بيت علمائي وأمضيت عمري في الحوزات العلمية الدينية..."5.
كان الأستاذ مطهري يمتلك دائماً روحية طالب العلم ولم يعتبر نفسه في يوم من الأيام أفضل من الآخرين.
صحيح أن الشهيد مطهري كان مفكراً وفيلسوفاً من الطراز الأول ومع ذلك فقد دَوّن كتاب قصص الأبرار، وكان يخاطب المعترضين على ذلك قائلاً: "ليس المهم أن تظهر نفسك كبيراً، بل المهم هو السعي والاجتهاد في سبيل الهدف".
الابتعاد عن المعاصي
كان الأستاذ الشهيد مطهري يهتم كثيراً بمسألة الابتعاد عن المعاصي والأعمال الحرام وكذلك ترك المكروهات، والأكثر من ذلك أنه كان يترك العمل حين يشعر بأنه مخالف لرضى الله تعالى. يقول الشهيد مطهري في مذكراته: "أذكر أنه في أيام الدراسة كان البعض يجلسون إلى بعضهم البعض يتناولون الآخرين ويتحدثون عنهم أي أنهم كانوا يغتابونهم ـ وهذا قليل جداً في الحوزات ـ فيصل الشخص في مرحلة من المراحل ليجد نفسه وقد ابتلى بشكل كامل بهذا المرض.
في إحدى الجلسات كنت مع بعض الطلبة الذين بدأوا الحديث عن المرحوم آية الله العظمى "حجت" رضوان الله عليه، تحدثت عنه ببعض الأمور البسيطة ولكني شعرت بالألم الداخلي فلما يجب أن أشارك في هكذا جلسات ولما يجب عليَّ التفوه ببعض الأمور.
علمت بعد ذلك ان آية الله حجت يأتي صيفاً إلى زيارة مرقد الولي عبد العظيم عليه السلام. قصدت المكان وتوجهت إلى منزله، حيث استقبلني. بدأت الحديث معه وقلت له: لقد تناولتك بالغيبة ـ طبعاً بشكل قليل ـ وأنا نادم على عملي وقد أتيت إليك لأطلب المعذرة والسماح حيث قررت أن لا أعود للمشاركة في هكذا جلسات ولا الحديث عن الأشخاص.
قال لي وبكل لطف واحسان: اعلم أن استغابة أمثالي على نحوين: فقد يكون فيها ما من شأنه اهانة الإسلام وقد يكون فيها نوع من التجرؤ على شخصي فقط بما لا يترك أي إهانة على الإسلام. فهمت ماذا أراد القول فقلت له: استعيذ بالله إن كنت قد أهنت الإسلام أو تجرأت عليه. قال: "وقد سامحتك"6.
الغيرة الدينية
إن نظرة سريعة على آثار وأقوال المرحوم الشهيد مطهري رحمه الله يظهر بوضوح ما كان يتمتع به من غيرة دينية وحساسية في خصوص المسائل الإسلامية. كان مهتماً في جميع لحظات حياته أن يكون مدافعاً عن الإسلام.
فيما يلي نشير إلى بعض النماذج التي تؤكد مدى ما كان يتمتع به من حساسية اتجاه القضايا الدينية:
أـ في المجالات الثقافية
يقول آية الله خزعلي: "كان يتألم من الكتابات المنحرفة التي تصدر باسم الإسلام. في الأيام التي صدر حكم ابعادنا، تخفيت في منطقة "كوى كن" حيث فتش عني الشهيد مطهري ووجدني وكان شديد الاهتمام بي بالأخص في تلك الأيام الصعبة. قلت له حينها: ماذا تكتب؟ قال: حول بعض الأمور التي تصدر باسم الإسلام. قلت له: قد وجدت بعض الأشياء حول هذا الأمر. وقد بدأ السؤال والتفتيش عنه بعطش ونهم. ثم قلت له: إذا وجدتم عيباً اذكروه وإذا وجدتم ما يستحق الكتابة فاثنوا عليه ليروا أنك منصف في عملك، ولا يعتبروك مهاجماً.
قال لي: اعتمد في طريقتي ومنهجي هذا الأمر حيث اكتب الأمور الجيدة والجديرة بالذكر ولكن المسألة أنهم يهاجمون الإسلام، وباسم الإسلام يوجهون ضربات موجعة للدين"7.
ب ـ الدفاع عن فدائيي الإسلام
من جملة الشواهد التي تشير إلى الغيرة الدينية للأستاذ مطهري، دفاعه عن فدائيي الإسلام. لأن هؤلاء كانوا الحركة الحقيقية لتبلور الإسلام والغيرية الدينية في زمان رواج المفاسد والفحشاء في نظام الشاه.
يقول المحقق الدواني وكان من الذين يعرفون الشهيد مطهري عن قرب: "كان الشهيد مطهري يؤيد فدائيي الإسلام ويؤيد أفكارهم، وكثيراً ما سمعت الشهيد نواب صفوي يتناول الأستاذ مطهري بمزيد من التقدير والاحترام. وكان الشهيد مطهري يشارك بعض الأوقات في جلسات فدائيي الإسلام وقد خاطب نواب صفوي قائلاً: "لا مجال للشك عندي في حسن نواياكم وطهارة أهدافكم ورفاقكم، وقد بقي الشهيد مطهري على هذه العقيدة حتى نهاية حياته"8.
ج ـ التنبيه المباشر
يقول السيد هادي جوان: "كان الأستاذ مطهري يتحدث عام 1349هـ.ش في قاعة محاضرات كلية الطب في مشهد حول "الإسلام ومقتضيات الزمان". كنت أشارك في تلك الجلسات وكان هناك بعض الفتيات غير المحجبات أيضاً. ظهر الانزعاج على المرحوم الأستاذ مطهري بمجرد أن شاهد هذا المنظر، وقال: "اشترطت في طهران على السيد راميار إذا كان مقرراً أن أتحدث أنا في هذه الجلسة فيجب أن يكون الوضع أفضل مما أراه. ما هذه الحالة الموجودة هنا؟"9.
د ـ الحركة العملية
يتحدث الدكتور علي مطهري حول مقدار حساسية الأستاذ مطهري رحمه الله فيما يتعلق بالمجموعات المعادية للثورة الإسلامية، ويقول: "أثناء مسيرة عاشوراء الكبيرة عام 1357 كانت إحدى الحافلات تتحرك بين الجماهير وفي داخلها رئيس مجموعة الفرقان وأحد أعضاء منظمة منافقي خلق وكان كلاهما يرتدي لباس العلماء حيث كانا يشرحان للناس أهداف المنظمة. وصل الخبر إلى بعض العلماء الذين منعوا التدخل ورفضوا ايقافهم وقالوا: ليس من المناسب ايجاد أي نوع من الاشتباكات في الظروف الحالية. وفي النهاية وصل الخبر إلى الأستاذ الشهيد مطهري الذي تحدث بطرحه قائلاً: "يجب انزال هؤلاء بأي ثمن حصل ذلك حتى لو أدى الأمر إلى قتلهم، هؤلاء يمتلكون برامج مستقبلية خطيرة"10.
بساطة العيش والحرية
كان الأستاذ مطهري رحمه الله إنساناً يعيش بساطة الحياة والحرية. كان لا يخضع لأي صاحب سلطة أو نفوذ ولم يكن ليستسلم لأي شخص. لم يكن الشهيد مطهري ليظهر حاجته لأي إنسان، ولم يكن حريصاً على الدنيا وجمع المال، لا بل كان عديم الاهتمام بهما. كان يقول: "فيما يتعلق بجمع المال، فقد فقدت أثناء حياتي فرصاً ذهبية قد يعتبرها البعض ضرباً من الجنون"11.
كان الأستاذ مطهري قنوعاً في تناول الطعام وكان يتناول الطعام البسيط. يقول السيد غلا محسين وحيدي وهو أحد الموظفين الذين رافقوا الإمام في كلية الإلهيات: "كانت غرفة الأستاذ مطهري صغيرة وبسيطة تقع إلى جانب غرفة شورى الكلية. أثناء الجلسات أو تصحيح أوراق الامتحانات كان الأساتذة يتواجدون في هذه الغرفة إلى حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر حيث كانوا يحضرون لهم الطعام... أما الأستاذ مطهري رحمه الله فكان ينتقل إلى غرفته ظهراً وفي أول الوقت حيث كان يؤدي صلاته ثم يتناول الغداء الذي كان يحضره معه من المنزل وكان عبارة عن الخبز والجبن أو الخبز والعنب.
كان أساتذة الكلية يلحون على الأستاذ مطهري التواجد معهم في غرفة الشورى لتناول الطعام إلى جانبهم وكان طعامهم في الغالب عبارة عن الكباب والأرز وما شابه ذلك، إلا أنه كان يرفض طلبهم ويعتذر منهم وكان يقول: أنا أتناول طعاماً خاصاً ولا يلائمني طعام الكلية.
كان لا يصرح عن السبب في عدم تناوله طعام الكلية إلا أنني أعرف السبب حيث كان يقول: "هذا الطعام هو حق للعمال وهو من بيت المال. أما الأساتذة فاجورهم مرتفعة يمكنهم احضار الطعام بأنفسهم، هذا الطعام حق للضعفاء"12.
الاعتدال
الابتعاد عن الافراط والتفريط واحدة من أسباب موفقية الأستاذ مطهري في حياته وفي المسائل الاجتماعية والسياسية. يقول حجة الإسلام والمسلمين مصطفى زماني في هذا الخصوص: "كان ينبغي على الشهيد مطهري من جهة مواجهة الأفكار المتطرفة والافراطية وكان عليه من جهة أخرى مواجهة الأفكار الالتقاطية والاستعمارية التي كانت تظهر بأشكال وألوان متعددة، فكان يقوم بهذه المسؤولية من خلال الصحف، والمحاضرات، والتدريس ونشر الكتب. كان الأستاذ يقول: لا يمكن انكار الواقع. عندما كان الإمام يأمر بالوحدة فكان المراجع والطلاب والجامعيون يتوجهون نحو ذلك. لماذا يجب أن تكون أكثر حماساً مما يجب ولماذا يجب أن نواجه هذا وذاك؟ هذه الأعمال تخالف رأي الإمام الخميني"13.
الاخلاص
كان الأستاذ مطهري رحمه الله مستعداً للتضحية بنفسه من أجل الإسلام والدفاع عن القيم الإسلامية. وقبل أن يكون عالماً أو معلماً كان إنساناً معتقداً صاحب إيمان وتقوى. وكانت أعماله وسلوكياته مصداق قوله تعالى: ﴿إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾14.
وبما أن أعماله كانت لله تعالى فلم يَسع وراء الشهرة على الاطلاق. يتحدث ابنه حول اخلاصه ويقول: "كان العنوان الدائم الذي يكتبه على كتبه "مرتضى مطهري" ولم يسمح أن تذكر أي عبارة أخرى قبل اسمه كالأستاذ وغيرها. كان شديد الابتعاد عن الشهرة مع أنه كان من أوائل المؤسسين لشورى الثورة الإسلامية. وكان اسمه لا يذكر في الصحف ضمن المؤسسين فكان يقول: "أن أقوم بما يجب عليَّ القيام به وأنا سأكون أكثر راحة إذا لم يذكر اسمي. انا أسعى أن لا يذكر اسمي في غير الموارد الضرورية"15.
مسائل للعبرة
فيما يلي نتطرق إلى اثنتي عشر خصوصية للأستاذ مطهري ذكرها المحيطون والعارفون به تصلح لتكون نموذجاً ودستور عمل لأصحاب الإيمان والمعنويات:
1- كان على وضوء دائم وكان يوصي بذلك.
2- كان شديد التعلق بالطبيعة وكان يجلس بعض الأوقات ساعات في أماكن طبيعية.
3- كان شديد المحافظة على صلاة الليل. لذلك كان ينام باكراً وينهض باكراً أيضاً.
4- كان أثناء البحث العلمي شديد التركيز الذهني بحيث كان يغفل عن المحيطين به.
5- كان يقرأ القرآن لمدة عشرين دقيقة يومياً قبل النوم.
6- كان يراقب أبناءه في مسألة القيام بالوظائف الدينية.
7- كان يساعد الفقراء والمحتاجين وقد ظهر ذلك جلياً بعد شهادته.
8- كان يدون المطالب الهامة بشكل دائم وفوري.
9- كان يرتفع بكاؤه عند تلاوة مصيبة سيد الشهداء عليه السلام والمناجات الليلية.
10- كان شديد الإيمان بالله تعالى حتى أيام الصعاب كان متعلقاً بالامداد الغيبي.
11- كان شديد الاحترام لوالده ووالدته وأساتذته.
12- كان يبتعد عن التظاهر في الأمور العبادية والاجتماعية والسياسية16.
نسيم الشهادة المعطر
كان للأستاذ مطهري رحمه الله وقبل ثلاث ليال من شهادته رؤيا صادقة استشم منها عطر شهادته. وقد أخبر برؤياه حينها، قال: "رأيت في المنام أنني كنت مع السيد الخميني نطوف بالكعبة، وفجأة رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد اقترب مني. كان يقترب مني وكنت أحاول الوقوف إلى جانب الإمام الخميني قدس سره احتراماً له حيث أشرت إليه وقلت: "يا رسول الله" السيد من أولادك، ثم تقدم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى السيد الخميني وصافحه وهكذا فعل معي ثم وضع شفتيه على شفتيَّ ولم ينزعهما وعند ذلك استيقظت... ثم تابع قائلاً: "أنا على يقين بأن حادثاً هاماً سيحصل عما قريب"17.
ويطول الكلام حول صفات وخصائص الأستاذ الشهيد مطهري، نختمها بعبارات الإمام الخميني قدس سره: "لقد ترك آثاراً خالدة في مدة عمره القصيرة حيث كانت شعاعاً من الوجدان الحاضر والروح المليئة عشقاً بالإسلام"18.
عبد الكريم باك نيا كاتب وباحث إسلامي
مجلة مبلغان
*روضة المبلغين , سلسلة روضة المبلغين , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الحق والباطل، ص170.
2- حكايات خاصة، ص88.
3- قطعة من الشمس، ص263.
4- الملحمة الحسينية، ج2، ص288 ـ 290.
5- المرجعية والروحانيون، ص95.
6- الأقوال المعنوية، ص 145 ـ 146.
7- قطعة من الشمس، ص297.
8- المصدر نفسه، ص307.
9- المصدر نفسه، ص172.
10- المصدر نفسه، ص117 ـ 118.
11- لقاء خاص مع آية الله واعظ زاده الخراساني، المصدر نفسه، ص481.
12- المصدر نفسه، ص506.
13- المصدر نفسه، ص334.
14- سورة الأنعام، الآية: 162.
15- قطعة من الشمس، ص144.
16- لمعات من الشيخ الشهيد، ص48.
17- قطعة من الشمس، ص106.
18- لمعات من الشيخ الشهيد، ص9.