الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة فضل الدعاء وآدابه

العدد 1642 09 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 12 تشرين الثاني 2024 م

جهاد المرأة ودورها في الأحداث والوقائع

مراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات
المسيرة التبليغية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم مشقات وآلام
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

مقدمة
إن موفقية الإسلام مقابل الشرك الجاهلي يتوقف على الأسلوب الذي اتّبعه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في التبليغ والدعوة مدة 23 سنة. وترتبط هذه الدعوة بشكل مباشر بشخصيته الكاملة التي يشكل الصبر والتواضع والاستقامة أهم خصائصها.

ما سنطالعه في هذا المقال عبارة عن بعض المصاعب والمشكلات التي تحملّها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مسيرة الدعوة الإسلامية وذلك لندرك البيئة التي عاش فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأشخاص الذين واجههم ومع ذلك تمكن من إيصال دعوته أي دين الله إلى المجتمع. طبعاً يمكن دراسة هذه المشاكل والمشقات من خلال طريقين موضوعي وتاريخي. حيث سنعالج الموضوع بناءً على الطريقة الموضوعية مع الأخذ بعين الاعتبار الطريقة التاريخية.

أ- مرحلة الدعوة غير العلنية
بعد انطلاق الدعوة الإسلامية بقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث سنوات يدعو إليها بشكل غير علني حيث تمكن في هذه المرحلة من تأسيس النواة الأساسية للمسلمين. فقبل الإسلام في هذه المرحلة أشخاص أمثال: السيدة خديجة عليها السلام، أمير المؤمنين علي عليه السلام، زيد بن حارثة، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، طلحة بن عبيد الله، أبو عبيدة الجراح، أبو سلمة، أرقم بن أبي الأرقم و...1.

كان الهدف في هذه المرحلة إيجاد القاعدة الأساسية التي يتمكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الانطلاق بها بدعوته إلى مجالات أوسع.

أما قريش فلم تواجه دعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العلنية بشكل قاسٍ، ولم تقف في وجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والسرّ في ذلك يعود لاختيار الدعوة غير العلنية من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. بالإضافة إلى أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يستعمل عبارات وأساليب تجرح مشاعرهم، بل ركز على أشخاص محدودين، لذلك نرى أن قريش كانت في هذه المرحلة تتعامل بنوع من عدم الجدية مع الإسلام، فلم تصدق وجود دين جديد. وشجع على هذا النوع من التعاطي مع الإسلام وجود سوابق من هذا القبيل، حيث كان أحد الدعاة المسيحيين يدعو الناس إلى التوراة والإنجيل ولما لم يستجب له أحد اضمحلت رسالته وخفتت شعلته، حتى أن أبا سفيان عندما سمع بدعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اعتبرها شبيهة بالدعوة التي كان يدعو إليها ورقة بن عبد الله والتي ستنطفئ في وقت سريع.

تمكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بداية من جمع بعض أهل مكة وإدخالهم في الإسلام، ثم بدأ التفكير بتوسيع الدعوة لتشمل الأقارب. وكان هذا الأمر في تلك المرحلة بمثابة تفكير صحيح وتخطيط واضح مارسه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث كانت الحياة الاجتماعية تقوم على العشيرة والقبيلة والأقربين الذين سيشكلون خط الدفاع الأول عن الشخص عند تعرضه للخطر. وبدأت هذه المرحلة بناءً على ما جاء في الآية الشريفة: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ2.

يقول المفسرون أن الله تعالى أمره بدعوة أقاربه إلى رسالته. طلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من علي عليه السلام وكان له من العمر 13 عاماً إعداد طعام وإحضار اللبن. ثم دعا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم 45 شخصاً من كبار بني هاشم وهناك دعاهم إلى الإسلام. تدخل أبو لهب لفض الجلسة فجمعهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم التالي وخطب فيهم: "إن الرائد لا يكذب أهله والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتنّ كما تنامون، ولتبعثنّ كما تستيقظون، ولتحاسبنّ بما تعلمون، وأنها الجنة أبداً، والنار أبداً"3.

ثم قال لهم بأنه جاءهم بما لم يأتِ أحد قومه، أي خير الدنيا والآخرة، ثم سألهم عن من سيكون أخاً له ووصياً: "فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّ وخليفتي فيكم". انتهى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الكلام فعمّ السكوت الذي قطعه الإمام علي عليه السلام، الذي أعلن مؤازرته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

طلب منه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الجلوس ثم طرح الأمر مجدداً على بني هاشم فلم يجبه إلاّ علي عليه السلام لذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن هذا أخي ووصييّ وخليفتي عليكم، فاسمعوا له وأطيعوه"4.

نلاحظ في هذه المرحلة عدم اهتمام قريش بدعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع العلم أنه خاطب كبار القوم، والسبب في ذلك أنهم حتى تلك اللحظة لم يستشعروا أي خطر يهددهم من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا يعني أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يقوم بما يقوم به بناءً على تخطيط مسبق فتمكن بذلك من التبليغ داخل العشيرة.

بداية الدعوة
بعد ثلاث سنوات من الدعوة غير العلنية بدأ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الدعوة بشكل واضح وعلني.
في يوم من الأيام وقف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على صخرة عند جبل الصفا يدعو الناس إلى عبادة الله تعالى فقال: "... إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم تكذّبون، قالوا: ما جربنا عليك كذباً. فقال: يا معشر قريش انقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً، إني لكم نذير مبين بين يدي عذاب شديد. إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يريد أهله فخشي أن يسبقوه إلى أهله، فجعل يهتف يا صباحاه يا صباحاه أتيتم أتيتم"5.

أما اللغة التي تحدث بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الخِطاب فهي تفرض وجود الله تعالى ويبدو التحذير من عذابه وهذا يدل على وجود فطرة إلهية يتحلى بها أولئك القوم على الرغم من أنها كانت تعيش مراحل اضمحلال فاستفاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الفرصة المؤاتية.

ويشير تصديق الناس خلال السنوات الثلاث الأول إلى أن الدعوة لم تحرك قريشاً أو تستفزها لتقوم باغتيال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أنه مع بداية هذه المرحلة انتهت مرحلة الهدوء وبدأت الصعاب تواجه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم6.

مارست قريش وطيلة عشر سنين جميع أنواع البرامج والخطط للقضاء على دعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكان آخرها محاولة قتله، أما الأعمال التي مارستها قريش ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكانت على النحو التالي:

1- سياسة الضغط القبلي‏
العامل الأول الذي لجأت إليه قريش ممارسة الضغط من قبل رئيس القبيلة. لذلك كانوا يأتون جماعات إلى أبي طالب ويقولون له: إن ابن أخيك يستهزئ بآلهتنا ويقبّح عاداتنا ويعتبر آباءنا ضالين... فاطلب منه إما التراجع عن ذلك، أو اتركه لنا لنحاسبه7. وبشكل عام طرحوا مسألتين: إما الصلح أو التهديد.

حاول أبو طالب ثنيهم عما أرادوا إلا أنهم أصرّوا على طلبهم محاولين توجيه تهديد للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واعتبروا أن أبا طالب هو المدافع عنه وأن عليه أن يرفع يد المساعدة عنه. تحدث أبو طالب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثانية، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "والله يا عمّاه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته". بعد ذلك أكد أبو طالب أنه لن يرفع يده عن الدفاع عنه ومساعدته8.

2- إبعاد المناصرين‏
أصبحت قريش غير قادرة على تحمل وجود الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لذلك لجأوا لمنع الحماية السياسية والاجتماعية التي يؤمنها أبو طالب: "ثم إن قريشاً لما عرفت أن أبا طالب أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا له فيما بلغني يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأشعره وأجمله فخذه فلك عقله ونصرته واتخذه ولداً فهو لك واسلم لنا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك وسفّه أحلامهم، فنقتله فإنما رجل كرجل فقال والله ما تسومونني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه هذا والله ما لا يكون أبداً"9.

وهكذا حاولت قريش إزاحة أبي طالب لتقوم بقتل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

3- التطميع‏
وحاولت قريش التوسل إلى التطميع ولكنها لم توفق في ذلك فاقترحوا على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الثروة والمناصب والهدايا والنساء وما عليه إلا أن يترك دعوته.
ولهذا الشأن وفدوا على أبي طالب وقالوا له إِن محمداً يفرق صفوفنا واقترحوا على أبي طالب عليه السلام, أن يقدموا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم, مقداراً كبيراً من المال, وإذا رغب في المنصب فله ذلك... تحدث أبو طالب مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي أعلن أنه لا يريد أي شي‏ء من الاقتراحات التي قدموها بل ما أريده منهم وهو "تشهدون أن لا إله إلا الله" وهذا دفعهم إلى التعجب واليأس فقالوا: "ندع ثلاث مائة وستين إلهاً ونعبد إلهاً واحداً".

4- اقتراح الصلح‏
أصرّ المشركون على الحد من نشاط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فاقترحوا عليه أن لا يتعرض لآلهتهم. يقول بعض المفسرين إِن سورة الكافرون نزلت رداً على طلب بعض أشراف قريش (أمثال الحارث بن قيس، العاص بن وائل، الوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف). اقترح هؤلاء على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يتبع دينهم وسيقومون باتباع دينه. وقالوا له: تعبد آلهتنا عاماً ونعبد إلهك عاماً.

أرادوا من خلال هذا الاقتراح إلقاء الشكوك حول الصراط الواقعي. إلا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقي على يقينه واعتبر أن دينه هو الدين الواقعي الذي لا يمكن الإيمان بغيره. في تلك الأيام نزلت سورة الكافرون حيث لم يوفق المشركون في مخططهم10.

﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾.

5- الحرب النفسية (الاستهزاء)
يئس المشركون من الأساليب السابقة فلجأوا إلى الحرب النفسية باعتبارها أساليب تساعد في هذه المهمة، فكانوا يستهزئون بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويتعرضون لشخصه لعل عدد أنصاره يتضاءل.

يتحدث بعض المؤرخين أمثال ابن سعد، ابن إسحاق والبلاذري عن أسماء المستهزئين11. وقد ذكر ابن سعد عشرات الأسماء حيث نرى أن اثنين منهم قد آمنوا وقتل الباقون في حرب المدينة أو ماتوا قبل فتح مكة12. ويؤكد المؤرخون أن هذا الأمر حصل نتيجة لعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لهم13.

يمكن الإشارة إلى أسماء بعض هؤلاء الأشخاص: أبو لهب، أبو جهل، الأسود بن عبد يغوث، الوليد بن المغيرة، العاص بن وائل، عقبة بن أبي المعيط، وأبو سفيان الذي لم يترك وسيلة إلا واستخدمها لأذية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكانت إمرأة أبي لهب أم جميل تقوم ببعض الأعمال التي تؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث ذكر اسمها في القرآن الكريم. يقال أن أم جميل بعد أن سمعت بالآيات الشريفة التي نزلت فيها وفي زوجها أنشدت بعض الأبيات الشعرية تهجو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيها14.

وهجا أبو سفيان بن الحارث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكان أمية بن خلف يستهزيء به ويقال أن سورة الهمزة نزلت فيه15. وبلغ الاستهزاء حداً جعل القرآن الكريم يتحدث حوله: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِين16.

وكان الأسود بن يغوث يستهزيء بالمسلمين وعندما كان يرى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يسأله: هل كلمتك السماء اليوم؟ قيل أنه مات بشكل قبيح17.
وكان العاص بن وائل يخاطب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنه أبتر لذلك نزلت سورة الكوثر18.

6- الشتيمة
مرَّ أبو جهل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عند الصفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره، من العيب لدينه والتضعيف لأمره، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومولاة لعبد الله بن جدعان.. تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم. فلم يلبث الحمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحاً قوسه راجعاً من قنص له، فلما مر بالمولاة قالت له: يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم ابن هشام.. فخرج يسعى ولم يقف على أحد، مهدداً لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه... ثم قال له: أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟19.

7- الأذى الجسمي‏
كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الناس إلى التوحيد وكان أبو لهب يلحق به يرشقه بالحجارة ويدعو الناس إلى عدم طاعته20، وكانت زوجته تؤذي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهذا ما حدثنا به القرآن الكريم. وقد أطلق عليها اسم حمالة الحطب لأنها كانت تضع ذلك في طريق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم21.

في يوم من الأيام قام أبو جهل يتكلم في الناس ويقول: يا معشر قريش إن محمداً قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وإني أعاهد الله لأجلسن له غداً بحجر ما أطيق حمله فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه.. فلما أصبح أبو جهل أخذ حجراً كما وصف.. وقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع منهزماً منتقعاً لونه مرعوباً... فقامت إليه الرجال، فقالوا له: ما لك يا أبا الحكم؟ قال قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل، لا والله ما رأيت مثل هامته....22

وكان عقبة يساعد أبا لهب في وضع الأوساخ والقاذورات على باب بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم23.

وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعتبر أَنّه واقع بين جارين سيئين أبو لهب وعقبة اللذين كانا يلقيان القاذروات على منزله24. وتتحدث الكتب عن الكثير من الأعمال القبيحة التي كانت تقوم بها قريش كإلقاء القاذورات والتراب على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكان أسوأ يوم له عندما خرج فأخذ الجميع يكذبونه ويؤذونه في ذاك اليوم رجع إلى المنزل حيث نزلت سورة المدثر25.

8- الإهانة
كانت تسعى قريش لإبعاد القداسة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكانوا يصفونه بالساحر والمجنون والشاعر... وعندما كان يأتي البعض ليسأل عنه فكانوا يقولون للسائل: هل تريد الشاعر، والساحر26 وقد تحدث القرآن الكريم مؤيداً الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومدافعاً عنه: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ27.

9- تعذيب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
تعرض العديد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كبلال الحبشي، وعمار بن ياسر ووالده ووالدته، وعبد الله بن مسعود، وأبي ذر... للتعذيب على يد قريش. وكان أبو ذر قد أسلم باكراً وقبل دعوة الرسول وقرر نشر الدين حتى لو تعرض للتعذيب. وبعد مدة رحل إلى قبيلته يدعوها إلى الإسلام28.

10- الإجراءات الفكرية
ما شاهدناه حتى الآن عبارة عن الأعمال والإجراءات الجسمية والنفسية والتي واجهت قريش بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإضافة إلى ذلك وقفت قريش ضد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في البعد الفكري لتمنع تبليغ الدين. والواقع أن الفكر الجاهلي أضعف من أن يتمكن من مواجهة الوحي. استعانت قريش باليهود لمواجهة الدين فأشكلوا في موضوع النبوة وقالوا له أن ما جئت به قد تعلمته من أهل الكتاب: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِين29.

وجاء في القرآن الكريم أيضاً: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا30.

حكاية جذابة
كان الوليد بن المغيرة شيخاً كبيراً، وكان من حكام العرب يتحاكمون إليه في الأمور... وكان من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان عم أبي جهل بن هشام، فقال له: يا عبد شمس ما هذا الذي يقول محمد أسحر أم كهانة أم خطب، فقال: دعوني أسمع كلامه، فدنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو جالس في الحجر فقال: يا محمد أنشدني من شعرك، قال: ما هو بشعر، ولكنه كلام الله الذي به بعث أنبياءه ورسله، فقال: أتل عليَّ منه. فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما بلغ إلى قوله: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُود وسمعه فاقشعر جلده وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته ثم قام ومضى إلى بيته ولم يرجع إلى قريش، فقالت قريش: يا أبا الحكم صبا أبو عبد شمس إلى دين محمد..."31.

11- طلبات بني إسرائيل‏
يَئِسَ القوم من كل محاولاتهم فلجأوا إلى طلب أمور غريبة وعجيبة، أرادوا بذلك توجيه ضربة إلى الدين من خلال عجز الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن تأمين ما يريدون.

اجتمعوا في يوم من الأيام حول الكعبة الشريفة ودعوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا له نحن نؤمن بدينك بشروط:
1- أن أرضنا يابسة فاطلب من الله أن يجري المياه فيها.
2- يجب أن يكون لك بستان نأكل من ثماره وتجري فيه المياه.
3- تسقط السماء علينا.
4- احضر الله والملائكة.
5- أن يكون لك قصرٌ من ذهب.
6- اذهب إلى السماء واحضر رسالة تصدق نبوتك32.

طبعاً الأنبياء لا يلجأون إلى المعاجز تحت كل الظروف بل المعاجز تحتاج إلى شروط لازمة لتتحقق:
1- الأمور المحالة والتي لا تتحقق خارجة عن دائرة القدرة، ولا تقع ضمن مشيئة الله تعالى.
2- الهدف من طلب الإعجاز التصديق على نبوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وما أرادوه منه لا يدل على ارتباط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعالم الغيب.
3- الأصل أن تكون المعجزة لأجل الإيمان، إلا أنهم طلبوا ذلك بعد عجزهم ولجاجهم33.

محمد عابدي كاتب وباحث إسلامي
مجلة مبلغان

*روضة المبلغين , سلسلة روضة المبلغين, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- سيرة ابن هشام، ج‏1، ص‏245 و262.
2- سورة الشعراء، الآية: 214.
3- السيرة الحلبية، ج‏1، ص‏321.
4- تاريخ الطبري، ج‏2، ص‏62؛ شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج‏13، ص‏210.
5- السيرة الحلبية، ج‏1، ص‏321.
6- الطبقات الكبرى، ج‏4، ص‏100؛ أنساب الأشراف، ج‏1، ص‏231؛ السيرة النبوية، ابن هشام، ج‏1، ص‏298.
7- سيرة ابن هشام، ج‏1، ص‏265.
8- سيرة ابن هشام، ج‏1، ‏265.
9- تاريخ الطبري، ج‏2، ص‏67.
10- مجمع البيان، ج‏10، ص‏552؛ عيون الأثر، ج‏1، ص‏197.
11- الطبقات الكبرى، ج‏1، ص‏200
12- المصدر نفسه. ص‏201؛ مجمع البيان، ج‏6، ص‏347.
13- دلائل النبوة، البيهقي، ج‏2، ص‏339.
14- أنساب الأشراف، ج‏1، ص‏122.
15- السيرة النبوية، ابن هشام، ج‏1، ص‏356.
16- سورة الحجر، الآية: 95.
17- أنساب الأشراف، ج‏1، ص‏132.
18- مجمع البيان، ج‏10، ص‏549.
19- سيرة ابن هشام، ج‏1، ص‏188.
20- كنز العمال، ج‏6، ص‏302.
21- السيرة النبوية، ابن هشام، ج‏1، ص‏355.
22- المصدر نفسه، ج‏1، ص‏298.
23- أنساب الأشراف، ج‏1، ص‏147.
24- الطبقات الكبرى، ج‏1، ص‏201.
25- السيرة النبوية، ابن هشام، ج‏1، ص‏291.
26- المصدر نفسه، ص‏271.
27- سورة الذاريات، الآيتان: 52 - 54.
28- طبقات ابن سعد، ج‏4، ص‏223.
29- سورة النحل، الآية: 103.
30- سورة الفرقان، الآيتان: 4 - 5.
31- بحار الأنوار، ج‏17، ص‏211.
32- سورة الإسراء، الآيتان: 90 - 93.
33- فروغ ابديت، ج‏1، ص‏296.

01-08-2012 | 10-08 د | 3884 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net