تحت العنوان المتقدّم أقامت إدارة التحقيقات في مؤسّسة الإمام الخميني قدس سره
التعليمية والتحقيقية مؤتمراً شارك فيه عدد من المحققين من أبرزهم آية الله مصباح
اليزدي، وحجّة الإسلام والمسلمين محمدي عراقي رئيس منظمة الإعلام الإسلامي وآخرون.
فيما يلي نقدّم خلاصة من الأبحاث التي تناولها المؤتمر.
التبليغ: النواقص وطرق الحلول
جاء ضمن الكلمات التي قدّمت للمؤتمر أنّ الإسلام دين يجب أن يحظى بالحاكمية في
المجتمع. ويصبح الإسلام موجوداً فيه عندما نرى الرؤية الكونية للإسلام تتجلّى في
مجالات الحياة الاجتماعية.
نحن نعتقد بأنّ الدين يقوم بوظيفة إصلاح العلاقات البشرية، فكلّ ظاهرة موجودة بين
البشر، إذا كان الإنسان هو أحد أقطابها، فلا بدّ سيكون الإسلام هو القطب الأساسي
الذي تكون له الكلمة الأساس.
وتظهر حاكمية الدين إذا وجدنا أنّ القرارات الكبيرة والأساسية للبشر متأثرة بالرؤى
الكونية الإسلامية. وهذا يعني أن يلجأ الشابّ مثلاً إلى الإسلام في اختياره الفرع
الدراسي، والزوجة، والعمل، وطريقة الحياة. وعالم الدين يجب أن يتمكّن من الحديث عن
العلاقات الفردية والاجتماعية بما يتناسب مع مقتضيات العصر لعلّ من أبرز مراحل
التبليغ وأكثرها صعوبة أن يحاول عالم الدين الرجوع إلى المبادىء الدينية والأصول
الإسلاميّة ليحلّل الظواهر اليومية ويحلّ مشاكل المخاطَبين. وأمّا في مجتمعنا الذي
يحكمه الدين فيجب أن يعمل بالتدريج على مؤسسة الظواهر الاجتماعية في الأفراد
وبالأخصّ علماء الدين. ويعاني العالم الثالث من مشكلة كبيرة وهي أنهم يحاولون حلّ
مشكلة ما فيوجدون مشكلة أخرى ثم إنّهم لا يلاحقون جذور المشاكل لحلّها من الأساس،
وكل ذلك بسبب عدم وجود "النظام".
إنّ سرعة التغييرات هي واحدة من المسائل الهامة التي تظهر بسرعة في المجالات
الاقتصادية والتبدلات والمشاكل، ولكنّ هذه المشاكل تتكدّس في المجال الثقافي ثم
تتحوّل إلى مشكلة سياسيّة. ما يؤسف له أنّ الناس والمسؤولين بدأوا في العقدين
الأخيرين يهتمّون بالمسائل الاقتصادية القصيرة الأمد، بينما نلاحظ وجود حركة نزولية
على صعيد الاهتمام بالبرامج الطويلة الأمد.
من المسائل الأخرى التي يجب الإشارة إليها أيضاً: "شباب المجتمع" فقد ارتفع عدد
التلاميذ في العام 1357هـ. ش من سبعة ملايين ونصف إلى ثمانية عشر مليوناً ونصف
المليون عام 1378هـ.ش. وبما أنّ الفارق بين سنّ البلوغ والزواج اثنا عشر عاماً لذلك
نرى الكثير من الشباب يعانون أزمة الهوية.
من جهة أخرى ساهمت بعض المسائل أمثال اتساع دائرة الارتباطات وظهور مسألة حق
الاختيار والانتخاب بين الأفكار المختلفة وزوال الحدود الرقابية وضعف مفاهيم
العائلة، المدرسة، المنطقة المتدينة والبلد المتدين، كلّ ذلك أدّى إلى زوال الحدود
الخاضعة للرقابة. ثم إنّ حاكمية الفكر الإسلامي على البلد أدّت إلى وجود خصومة بين
القوى الاستكبارية الكبرى ممّا جعلهم يفكّرون بشكل مستمرّ في إيجاد الأزمات
والمشكلات بين الشباب في هذا البلد.
الإمكانيات لحلّ المشاكل
يمكن العمل على حلّ المشاكل إذا وجدت القدرات والاستعدادات الآتية:
أوّلاً: أن نعتمد على الإسلام الذي أوجد هذه الحكومة بعد انقضاء أكثر من
خمسين عاماً على الحكم البهلوي، وقد احتضن الإسلام جميع أبناء الشعب بمن فيهم
الشباب بعد كلّ المفاسد التي أوجدها النظام السابق.
ثانياً: أنّ إيران تمتلك موقعاً مميزاً بين دول المنطقة والعالم، لذلك تسعى
أمريكا لإقامة علاقات مع إيران. طبعاً موطن القوة التي تتحلّى بها إيران كونها
تلتزم الدين الإسلامي الذي ما زال شامخاً منذ أربعة عشر قرناً وكانت الثورة من أبرز
نتاجاته.
ثالثاً: يمتلك الإنسان فطرة صافية وطاهرة وإذا ما تمّ إيقاظ هذه الفطرة
وجعلها تتلاءم مع الإسلام فستتحول إلى قدرة كبيرة لا يعدلها شيء. يمتلك الشعب أطهر
فطرة حتى إنّ بعض الأشخاص الملوثين بالشبهات ظاهراً يعودون إلى الإسلام بسرعة في
المقاطع الحسّاسة.
رابعاً: إنّ ما يساعدنا وجود بعض المحطات الهامة التي ترفد الإنسان بالقوة والثبات
كمحرّم وشهر رمضان اللذين يضفيان حالة من التوجّه المعنوي لدى أبناء الشعب وبالتالي
يمكّنان الشخص من مواجهة أكبر القوى الاستكبارية على الإطلاق.
من المسائل الأخرى المطروحة في هذا الخصوص عدم وجود تعادل في النموّ. وهذا يعني
أننا تقدمنا كثيراً في بعض المجالات وما زلنا متأخّرين في مجالات أخرى. مثال ذلك
أننا تقدّمنا كثيراً على مستوى الطبّ ولكننا ما زلنا متأخرين مائتين أو ثلاث مئة
سنة على مستوى التبليغ الديني. طبعاً تعود أسباب التأخر إلى التعقيد في السلوك
الإنساني وتبدل قداسة الخطاب ليحلّ مكانه نوع من قداسة الأداة. إنّ الذي يمتلك
القداسة هو القرآن والحديث، أمّا أداة نقل القرآن والحديث فليست مقدّسة بل يجب أن
تتغيّر طبق ظروف الزمان والمكان.
لعلّ من أبرز الأدوات المناسبة لموضوع التبليغ هي الجلسات التي تنبع من الصميمية
والمحبّة بالأخص عندما تكون مع جيل الشباب. نحن أخطأنا عندما اعتبرنا أنّ حلَّ
المشاكل الثقافية يبدأ من وجود معمَّم على التلفزيون يتلو خطاباً دينياً أو ثقافياً.
يجب أن نتعرّف على الأزمات التي يعاني منها مجتمعنا، وإذا رغبنا في أن يتجلّى مفهوم
حاكمية الإسلام في جميع المجالات، يجب علينا تربية علماء متخصّصين في المجال
التبليغي بما يتناسب مع ظروف الزمان والمكان، نحن نحتاج إلى نوع من التنظيم في نظام
التعليم الديني لنعمد إلى تعريف الاختصاصات.
يجب أن نعمل على تعريف حضور العالم الديني في المجتمع. وإذا أردنا أن يكون الله
تعالى حاكماً على علاقاتنا يجب أن يستعيد المسجد دوره الأوّل ويجب إعادة ترتيب
الشروط التي يُحتاج إليها للحياة في المسجد.
في يوم من الأيام كان المسجد مركز ومصدر التحول والتغيير ثم انتقلت المهمة بالتدريج
إلى المدارس، الثانويات والجامعات، عندما يضعف المسجد، فهذا يعني أنّ حضور عالم
الدين في العلاقات الاجتماعية أصبح ضعيفاً، وقد شاهدتم مقدار الأموال التي تصرف هنا
وهناك ولكننا غفلنا عن تجهيز المساجد. عندما يخرج الشابّ من بيته فمن الطبيعي أن
يختار المكان الأكثر جاذبية، وهكذا كان يضعف دور المسجد عاماً بعد آخر.
بناءً على ما تقدّم يجب إعداد كافّة الأدوات والوسائل التي تساهم في جذب جيل الشباب
إلى المساجد، لتحافظ على نشاطها وحيويتها.
بعد انتصار الثورة تغيرت العديد من المفاهيم، فبعد أن كان الناس يخافون بداية على
دين أولادهم أصبحوا يخافون عليهم من الرسوب في امتحان الدخول إلى الجامعة وبعض
المسائل الأخرى من هذا القبيل. وهكذا تبدّل النظام التنفيذي والإداري وأصبح الشباب
يفرّون منه. في يوم من الأيام كان الطالب يدرس لله تعالى ولأجله ولأجل العمل
والخدمة، ولكنه اليوم أصبح يدرس لأجل الوصول إلى الرفاه والحياة الفُضلى.
يجب أن نوثّق العلاقة بين المسجد والمدرسة، ويجب أن تقع المدرسة تحت تأثير المسجد،
طبعاً المقصود من المسجد ذاك الذي يتولى إدارته عالم مدرك وبعض المتخصّصين الواعين.
مسائل عملية حول التبليغ:
يتحدث حجّة الإسلام والمسلمين محمّدي عراقي تحت عنوان "مسائل عملية حول التبليغ"
فيعتبر أنّ الله تعالى يقول في القرآن الكريم:
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى
اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾1، حيث اعتبر القرآن الكريم أنّ
البصيرة والمعرفة هما الشرط الأول للتبليغ، والبصيرة مسألة تخصّصية. إذا لم تكن
الفقاهة في التبليغ أهمّ وأصعب من الفقاهة في الفقه، فهي من دون شك ليست أسهل منه،
لأنه يمكن الاستعانة بآراء الفقهاء المتقدّمين في الفقه، لكن في مسألة التبليغ يجب
على المبلّغ أن يجمع الكثير من العلوم وعليه أن يدرك أيضاً ظروف المجتمع والمخاطب.
يجب مراعاة الأمور الآتية في التبليغ:
1- وُجوب الاستفادة من المفاهيم القرآنية أثناء التبليغ وتشجيع الآخرين على فهم
وتدبر القرآن، وهذا أمر لا يقوم به إلّا طلّاب العلوم الدينية.
2- توضيح الأحكام الشرعية.
3- الإجابة عن الأسئلة الشرعية والفكرية.
4- إقامة جلسات فردية وجماعية والإجابة عن الأسئلة والشبهات.
5- التحدّث من دون تكلّف بل من منطلق الصداقة والمحبة والصميمية وقد أثبتت التجارب
مقدار الأثر الذي يتركه هذا النوع من التواصل.
6- الالتفات إلى الواقع وعدم التحرك في الفضاء المعنوي العالي.
7- الالتفات إلى مسائل وأسئلة الأخوات وهم أكثر من الأخوة كمّاً وكيفاً.
8- الالتفات إلى الواقع الاقتصادي والعمل والبطالة وارتفاع سنّ الزواج، والظاهر أنّ
الحلول أصبحت أصعب لهذه المشاكل ويبقى أنّ علينا العمل على موضوع التقوى والبنية
الإيمانية للشباب.
من جهة أخرى يحتاج العمل الثقافي إلى تخطيط دقيق وميزانيات كافية، وكان هذان
الأمران كافيين للدخول في عالم التقدم في بعض المستويات والاختصاصات العلمية، وهذا
ما نحتاج إليه في تقدّم العمل التبليغي.
1- سورة يوسف، الآية: 108.