بسم الله الرحمن الرحيم
الحب الصوفي
اتخذ المتصوفة من الحب الإلهي شعارا لهم، ولكنه حب معتمد على أحاسيس النفس
وخلجاتها، وليس معتمدا على المعرفة والتأمل والبحث، وهو ما يأخذه العلماء عليهم.
إن الجهل بحقائق الدين يؤدي إلى كثير من البعد عنه، رغم أنهم ينسبون إلى أنفسهم
القدرة على إدراك الحقائق الدينية من السلوك والسير العملي، وهو ما يفترضون أنه
يوصل إلى الحقيقة المطلقة بأيسر السبل، ولهذا ربما ذهبت بهم المذاهب يمينا وشمالا،
بعيدا عن الغاية المنشودة، فزعموا مثلا أن الإخلاص لله تعالى لا يتفق مع معاشرة
الناس، ولا الخوض في حياتهم، ومال الكثيرون منهم إلى حياة التبتل والرهبنة، فنجد
رابعة العدوية مثلا قد زعمت أن الزواج أمر شهواني يبعد عن الله تعالى، وذلك عندما
خطبها أحد الصوفية، وهو عبد الواحد بن زيد، فصدته وخاصمته، وقالت له: "يا شهواني
اطلب شهوانية مثلك، أي شيء رأيت فيّ من آلة الشهوة"، وفيه رد صريح على كلام النبي
صلى الله عليه وآله وسلم "لا رهبانية في الإسلام"، إضافة إلى غيره من الأحاديث
الشريفة والآيات القرآنية المباركة، التي تزيد على الإحصاء.
وبلغ بها الحال أن امتنعت عن النظر إلى الكعبة، وقالت: لا أريد الكعبة، بل أريد رب
الكعبة، وقالت فيها: "الصنم المعبود في الأرض".
وربما تمثل الحب الصوفي غزلا بالمرأة ومفاتنها، والخمر ونشوتها وسكرها، وغير ذلك
مما تهواه النفس الإنسانية وتأنس به، ويكنون بذلك عن المعشوق الأول، بل الوحيد وهو
الله تعالى، كما حصل مع عمر بن الفارض، الذي أطلق عليه سلطان العاشقين في أدبيات
التصوف.
المقامات والأحوال
يستخدم الصوفية مصطلح المقامات على المقام الذي يكون عليه العبد نتيجة مجاهدات
وعبادات ورياضات روحية، وانقطاع إلى الله تعالى وقسموها إلى عدة مقامات تبدأ بمقام
التوبة، فالورع، فالزهد، والفقر والصبر والرضا وغير ذلك.
وأما مصطلح الأحوال فيريدون به ما يحل بالقلوب أو تحل به القلوب من صفاء الاذكار،
وليست من قبيل المجاهدات المذكورة في المقامات، وإنما هي حالة انقطاع قلبي تام،
فيقولون أنه إذا صارت المعاملات إلى القلوب فقد استراحت الجوارح.
وهذا يمكن فهمه أنه استغناء عن العبادة والمجاهدة، على نحو لا يحتاج الصوفي فيها
إلى العبادة أصلا، ومن هذا الباب حصل الكثير من شطحات الصوفية.
ويمكن فهمها على أنها وصول القلب إلى حالة يستلذ بالعبادة معها، فتصير كأنها جزء من
كيانه، فلا يصح إطلاق المجاهدة عليها.
والحال عند الصوفية أمر عارض على القلب وغير ثابت كالمقام، وقد عبر عنها ابن
الجنيد، أحد كبارهم، بأنها نازلة تنزل بالقلوب فلا تدوم.
الولاية
الولاية هي المرتبة القصوى التي يمكن أن يبلغها الإنسان في علاقته بالله تعالى،
بحيث تشمله العناية الإلهية، بكل حركاته وسكناته وكل كيانه، فيستحق من وصل إلى مقام
الولاية أن يكون قطب الدائرة الكبرى، حسب تعبير محي الدين ابن عربي، وفي هذه
الدائرة يؤتى الولي باسم الله الأعظم، ويعرف أسامي الروحانيين من الجن والإنس.
وفي هذه الدائرة نجد الأنبياء المرسلين والأقطاب ورجال الغيب ممن شملتهم العناية
الإلهية، فصاروا أحق الناس بالمراتب الإلهية، الدنيوية منها والأخروية، ولهذا فإن
شرط الولاية أو يكون الولي صاحب كرامات تعرف به.
والولاية بهذا المعنى لا تتحقق إلا عند فناء العبد عن نفسه، وذهوله عن كل ما سوى
الحق تعالى، وهذا ما لا يحصل إلا عبر طي مراحل معينة من السلوك نحو الحق، أي أن
تحصيل مقام الولاية أمر تحسبي يحصله العبد بنفسه، دون تدخل إلهي في تعيينه، فيتجلى
له تعالى بكل أسمائه وصفاته، فيرسله تعالى إلى الخلق وهو في هذه الحال، ويكون بذلك
نبي ولاية، يقوم على شؤون الخلق، وتنظيم حياتهم، والسهر على مصالحهم، ولهذا يقولون
بأن من دعا إلى الله تعالى قبل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يسمى رسولا، ومن دعا
إليه بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم يسمى نبيا، ولكنه لا يستقل بنبوته عن شريعة
محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بل يدعو تبعا لها، فيكون بهذا المعنى خليفة للرسول
الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
فظهر من هذا البيان الموجز أن الصوفية يجعلون مقام الولاية والخلافة لأنفسهم، بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويقفون في الصف المواجه لأئمة أهل البيت عليهم
السلام، وفي عرضهم، متناسين بذلك كل ما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة من أن
الولاية والإمامة منصب إلهي، لا دخل للبشر فيه، فإنه تعالى أعلم حيث يجعل رسالته.
* سماحة الشيخ حاتم إسماعيل