بسم الله الرحمن الرحيم
الأكثرية ليست دائماً حليفة الصواب
في النظرية الإسلامية، لا سيّما في فكر أهل البيت(عليهم السلام) إنّ الأكثرية ليست
دائماً حليفة الصواب; لأنّ هذه الأكثرية قد تبنى على أعراف مريضة، وقد تشكّل هذه
الأعراف أغلالا للمجتمع، قال تعالى:
﴿الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الاُْمِّىَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً
عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالاْنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاَْغْلاَلَ الَّتِي
كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾1.
فالأعراف المريضة تمثّل إصراً وأغلالا، وقد خلّص الرسول(صلى الله عليه وآله)
مجتمعه من هذا الإصر وهذه الأغلال، وهذا الدور سيمارسه الإمام الحجّة بن الحسن عجّل
الله فرجه.
الأعراف قد تخرج عن نطاق الفطرة
هناك هوّة كبيرة بين الشعارات التي ترفعها الشعوب والحكومات الغربية وبين الأعراف
السائدة عندهم. نعم، هم بشر ولديهم فطرة إنسانية، ولكن هذا لا ينفي وجود الأعراف
الخارجة عن الفطرة بصورة قويّة في ذلك المجتمع.
الإدراك العقلي للعدالة له حدود
العدالة في كلّ مجالاتها السياسية والمالية والاجتماعية وغيرها لها بُعد تكويني
بحيث يدركها العقل وتدركها الفطرة الإنسانية، ولكن هذا الإدراك له حدود، وما وراء
تلك الحدود يقصر العقل وتقصر الفطرة عن إدراك العدالة، وحينئذ تأتي الحاجة إلى
الاعتبار القانوني.
متى نحتاج إلى الاعتبار القانوني في إدراك العدالة؟
إذن تأتي الحاجة إلى الاعتبار بعد أوّليّات وبديهيّات الفطرة الإنسانية في إدراك
العدالة، وفي حسن العدل وقبح الظلم، وحسن الصدق وقبح الكذب، وحسن الإحسان وقبح
الإساءة، وهي مجموعة من الأُصول السلوكية التي تدركها الفطرة، بعد ذلك تأتي الحاجة
إلى الاعتبار القانوني; لأنّ هناك أفعالا غير واضحة في النظام الاجتماعي والنظام
الفردي والنظام الأسري، ولابدّ لأهل الخبرة في تنظيم النظام الاجتماعي بأن يتدخّلوا
لبيان العدالة في هذه الأُمور، سواء على صعيد البشرية أو على صعيد الإدارة والتدبير.
التقنين الإلهي والتقنين الوضعي
وهذا التقنين قد يكون بشرياً وضعياً، وقد يكون إلهيّاً سماوياً، والشرع يحترم العقل
في الوصول إلى العدالة، ويُسمى بـ "بناء العقلاء"، ولكن هذا يكون في مساحات معيّنة،
وبعد هذه المساحات يصل العقل إلى مساحات لا يدرك فيها العدالة، وهنا لابدّ من
صوابيّة الرؤية الكونية بحيث يكون الإيمان بوجود خالق للكون والبشر.
بنية الحقوق التكوينية قبل مرحلة التقنين
وهنا البحث حسّاس جدّاً، فالعدل يرسم لإعطاء الحقوق قبل مرحلة التقنين، وهنا بنية
الحقوق التكوينية، فهل بنية الحقوق التكوينية منطلقها البارىء سبحانه وتعالى أو
منطلقها الإنسان هناك عدّة مدارس، منها: المدرسة الإنسانية أو المدرسة الذاتية، وهي:
مدرسة تنطلق من ذات الإنسان بغض النظر عن النظام الاجتماعي.
* آية الله الشيخ محمد سند.
1- الأعراف (7): 157.