بسم الله الرحمن الرحيم
رغم تعدد الأسفار النبوية، أو الرؤيوية، في العهد القديم، إلا أن الحسين عليه
السلام قد ورد ذكره في خصوص سفر أرميا، يقول الكاتب:
"الخفيف لا ينوص والبطل لا ينجو في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا، من
هذا الصاعد كالنيل كأنهار تتلاطم أمواجها،....، فهذا اليوم للسيد رب الجنود يوم
للانتقام من مبغضيه فيأكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم، لأن للسيد رب الجنود ذبيحة
في أرض الشمال عند نهر الفرات1"..
ورغم أن هذه النبوءة شبه صريحة في إرادة الإمام الحسين عليه السلام ، إلا أن
الخلفية الثقافية لدارسي لكتاب المقدس، والتي لم يستطيعوا من خلالها أن يتقبلوا
الإسلام كدين، لما يفرضه ذلك من تخليهم عن عقائدهم الباطلة، أدت بهم إلى العجز عن
فهم هذه النبوءة، ففي حين نجد أن الأب بولس الفغالي ذكر كلاما عاما حولها، دون أن
يقترب من شرح مضمونها الحقيقي ودلالاتها الواقعية، ومحصل ما قاله أن العلاقة مع
الله تعالى غير منحصرة بالشعب الإسرائيلي، فإن جميع الشعوب الأخرى مرتبطة به تعالى،
بل هي خاضعة لأمره، ويمكنها أن تنال رضاه لأنه إلههم أيضا2.
وهو كلام صحيح في نفسه على الإجمال، ولكنه قاصر عن مقاربة المشكلة وتفسير النبوءة،
بحسب دلالاتها الواقعية كما أسلفنا، بل هو قد انحرف في تفسيرها عن الحقيقة حين فهم
منها أن الله تعالى قد انتقم من بني اسرائيل بأيدي الوثنيين، مع أن ذلك خلاف قوانين
العهد القديم عموما، الذي يجعل الوثنيين محل هلاك في أنفسهم خصوصا أنه لم يكن لبني
إسرائيل شأن يذكر في عصر أرميا النبي، ولم يكن لهم أي تواجد ذي أهمية في نواحي نهر
الفرات.
ولما لم يكن للسيد المسيح عليه السلام ولا للمسيحيين أي حضور فعال في تلك المنطقة
لم يحاول أحد من علماء اللاهوت المسيحيين ربطها بالتاريخ المسيحي، فبقيت على
إبهامها من هذه الجهة.
في مقابل ذلك، نجد أن محرري تفسير الكتاب المقدس ذهبوا إلى أن هذه الفقرات مقحمة في
هذا المكان، وأن واضعها غير أرميا النبي، مقارنين بين النسخ المختلفة للكتاب المقدس،
ثم فسروها بأنها ناظرة إلى معركة كركميش التي وقعت بين المصريين والفرس، والتي هزم
المصريون فيها شر هزيمة على يد نبوخذ نصر3.
وهذا في الحقيقة فهم غريب لا ينسجم مع مفاهيم الكتاب المقدس، ولا مع الخلفية
الدينية التي ينطلق منها هؤلاء اللاهوتيون، لأن مقتضاه أن يكون الوثنيون مرضيين عند
الله تعالى يعملون وفق إرادته، ويلتزمون أوامره وتعاليمه، وهو نقض لوثنيتهم،
بالإضافة إلى أن النبوءة تتحدث عن انتقام إلهي، لقوم قتلوا شخصا مرضيا عنده تعالى،
بل لقد نسبه إلى نفسه حين قال: "لأن للسيد رب الجنود ذبيحة....".
ولم يتحدث التاريخ عن ذبيحة مرضية لله تعالى في تلك المنطقة سوى الإمام الحسين عليه
السلام ، مما يدل على أنه هو المراد بهذه النبوءة.
هذا بالإضافة إلى ما يشتمل عليه كلامهم من اعتراف بتحريف الكتاب المقدس، الأمر الذي
يسقط مصداقيته على وجه العموم، ومعه لا يمكن الاستناد إليه في قبول دعوى السيد
المسيح عليه السلام نفسه، وهو بمثابة إسقاط البعد الديني عنه بالمرة.
* سماحة الشيخ حاتم اسماعيل
1- سفر أرميا:
46/6-10
2- عهد الله مع قلوب متجددة، أرميا النبي، ص395-396.
3- تفسير الكتاب المقدس، جماعة من اللاهوتيين برئاسة الكتور فرسيس دافدس، ج4،
ص222-223.