الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة فضل الدعاء وآدابه

العدد 1642 09 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 12 تشرين الثاني 2024 م

جهاد المرأة ودورها في الأحداث والوقائع

مراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات
حضارات الشرق والحضارة اليونانية
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

إن القول بأن الفلسفة قد نشأت في بلاد اليـونان – خصوصاً بمعناها الواسع الشامل لجميع ميادين المعرفة ـ يخفي في طياته إنكار تأثير سائر الحضارات القديمة واختصارها في الحضارة اليونانية، بل ما تقدم عن دي بور من قصور عقل الشرقيين عن إدراك عمق الذهنية اليونانية، شبه صريح في ذلك، وهو قول يصطدم مع الواقع، ويتنافى مع الحقائق التاريخية، ويخفي في طياته عنصرية ظاهرة عند الكتاب الغربيين على العموم، ذلك أن بداية الفلسفة اليونانية تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، وبالتالي فقد سبقتها حضارات الشرق بآلاف السنين، فقد أثبتت الوثائق التاريخية أن الحضارة السورية في بلاد ما بين النهرين، وكذلك حضارة المصريين، تعود إلى أوائل الألف الثالث قبل الميلاد، وقد بلغت المدنية فيهما حدا كبيرا لا يمكن إغفاله.

وتكفي الإشارة في هذا المجال إلى التشريعات القانونية التي اشتملت عليها شريعة حمورابي، وكذلك التطور الكبير نسبيا في علم الفلك وغيره من العلوم، كما أن من المعلوم تاريخيا أن المصريين القدماء هم أول من اخترع الساعة الشمسية.
هذا بالإضافة إلى أن الحضارات الإنسانية تتفاعل بعضها مع بعضها الآخر، ويتأثر اللاحق فيها بالسابق، ويكمل ما كان قد أسسه قبله، وإلا فلا يوجد إبداع في هذا العالم دون الاستناد إلى انجازات الآخرين، والحفريات الأثرية التي كشفت عن الكثير من الحقائق والكنوز الحضارية والمعرفية التي كانت مخفية تحت الأرض إلى زمان قريب تؤكد هذه الحقيقة.

ولم يقتصر الأمر على هؤلاء، بل إننا نجد الحضارة الصينية موغلة في القدم كذلك، إذ ينقل التاريخ تقدما كبيرا في حضارتهم وثقافتهم على كافة المستويات، ففي معرض حديثه عن حضارتهم، يقول كريل:
"وكانت أقدم كتابة وردت لنا من مدينة كانت عاصمة لملوك شانج حوالي سنة 1400 قبل الميلاد، لقد كانت مركزا لحضارة متقدمة فعلا بصورة ملحوظة، كما تبرهن على ذلك المباني الضخمة والأواني البرونزية الجميلة والمنسوجات الحريرية المتقنة النسج، وأشياء كثيرة أخرى".

وعن أثر الحضارة الصينية في الغرب يقول كريل:
"ويعلم غالبيتنا أن الصين قدمت للحضارة الورق والبارود، ولكن كم منا يعلم أن الروايات (سواء الحقيقية منها أو المزيفة) التي تدور حول نظرية المساواة وممارستها في الصين قد لعب دورا في تطوير مفاهيم المساواة الإنسانية والديمقراطية السياسية في الغرب خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر؟ ومع ذلك فقد كان هذا أمرا معلوما في ذلك الوقت، وقد ألقى كل من (ماكولي) و(برونتيير) جانبا من اللوم على الثورة الفرنسية لاعتقادهما أنها شوهت الأفكار عن النظم السياسية الصينية".

إن الحقائق التاريخية تؤكد أن اليونان قد أخذوا من الحضارات السابقة عليهم، والتي نشأت في بلاد الشرق، والتي لم يجد مؤرخو الحضارات مناصا من الاعتراف بها، بل هناك من يقول أن أصل اليونانيين يعود إلى الشعوب الشرقية، فهاجروا منها وسكنوا بلاد اليونان، ويكفي أن نذكر هنا ما كتبه الدكتور أحمد فخري في مقدمة ترجمته لكتاب "انتصار الحضارة" لجيمس هنري برستد، يقول فخري: "آمن برستد أن الشرق القديم هو مهد المدنيات والحضارات وأنه كان المعلم الأول لليشرية، وفي مختلف بقاعه يخطو خطواته الأولى نحو المدنية. لم يكن هذا الشرق صاحب الفضل فيما وصل إليه من كثير من أسس مدنيته المادية فحسب، بل كان له فضل أعظم وأكبر من ذلك لأنه كان مبعث ذلك النور الروحاني الذي أضاء نفوس الناس وهذب من طباعهم".

إن من الواضح الذي لا لبس فيه، أن الحضارة اليونانية قد تأثرت بشكل كبير وهام بالحضارة المصرية والفينيقية و البابلية والهندية، فقد ذكر المؤرخون أنهم أخذوا عن المصريين عمارة المدن، بل كان اليونانيون يعتقدون أن عناصر كثيرة من حضارتهم قد جاءتهم من مصر..

ولا يزيد عن أثر فينيقيا في اليونان إلا أثر مصر على حد تعبير ديورانت، فقد أخذ اليونان عنهم علوم مصر، والشرق الأدنى، وصناعاتهما، و فنونهما، وطقوسهما الدينية، وأخذوا عنهم صناعة السفن، و أساليب في طرق المعادن النسيج والصباغة خيراً من أساليبهم..

و أخذوا عن بابل نظام الموازين والمكاييل، والساعة المائية، ووحدات العملة المتداولة فيها، و قواعد علم الفلك، و آلاته وسجلاته وحسابه، و نظامها الستيني الذي يقضي بتقسيم السنة والدائرة والزوايا الأربع القائمة، التي تتقابل في مركزها إلى 360 جزءاً، وتقسيم كل درجة إلى 60 دقيقة، وكل دقيقة إلى 60 ثانية، ولعل معرفة طاليس بعلم الفلك عند المصريين والبابليين هي التي مكنته من أن يتنبأ بكسوف الشمس..

كما كانت حضارة الفرس أرقى من حضارة اليونان المعاصرة لها..

وما دامت الحضارة في تحققها وانتشارها، موقوفة على معالجة المشاكل، التي تواجه أية أمة من الأمم، مما يؤدي الى تطورها ورقيها، وقد سبقت حضارة اليونانيين كثير من الحضارات الاخرى، دل ذلك على وجود التأمل الفلسفي قبل حضارة اليونان، لأن الضرورة التاريخية قائمة بوجود الأمم قبل التاريخ المفترض لنشوء الفلسفة.

ولعل انبهار مؤرخي الفلسفة بفلاسفة اليونان من جهة، وعقدتهم التاريخية من الوحي الإلهي من جهة أخرى، هو الذي دعاهم إلى فرض تصورهم المذكور، فأغفلوا أثر سائر الحضارات في اليونانيين هذا من ناحية..

ومن ناحية أخرى، فإن الثورة العلمية الجبارة التي نشأت في الغرب بعد ثورة كوبرنيك، وانكفاء المسلمين، خصوصا والشرقيين عموما، عن السعي الحثيث والبحث العلمي، كان لهما أثر بالغ في نفوس الغربيين عموما، والمستغربين من المسلمين، ممن تتلمذوا على أيدي المستشرقين، وأخذوا عنهم، أدى بهم الى احتقار الذهنية الشرقية بشكل عام، وجعلوا من انفسهم اسرى لهذا التفكير الاستعماري، دون ان يبحثوا في تراث الشرق الغني فأخذوا يجترون ما يلقنهم اساتذتهم الغربيون.


* سماحة الشيخ حاتم اسماعيل – بتصرف يسير

26-01-2016 | 14-28 د | 2479 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net