الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
الخطاب الثقافي التبليغي رقم (21): يا مولانا يا صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) الخطاب الثقافي التبليغي رقم (20): غيرة اهل الايمان الخطاب الثقافي التبليغي رقم (19): إن مع التضحية نصراً الخطاب الثقافي التبليغي رقم (18): هيهات منّا الذلّةالخطاب الثقافي التبليغي رقم (17): ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ

العدد 1639 19 ربيع الثاني 1446 هـ - الموافق 23 تشرين الأول 2024 م

التضحية في سبيل الله

القتال من أجل الأهداف الإلهيّةمراقباتالوحدة تعني التأكيد على المشتركات«يا لَيتَنا كُنّا مَعهُم»
من نحن

 
 

 

التصنيفات
العقيدة وبناء الإنسان أخلاقيا
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

لما كانت قضية الأخلاق تحظى بأهمية استثنائية في توجهات العقيدة الإسلامية، نجد أنّها اتّبعت أساليب وطرق عدّة متضافرة كبناء يتصل بعضه ببعض، تشكّل بمجموعها السور الوقائي الذي يحمي الإنسان من الانحدار والسقوط الأخلاقي، ويمكن إجمال هذه الأساليب، بالنقاط الآتية: ـ

أولاً: تحديد العقيدة للمعطيات الأخروية للأخلاق:
فمن اتّصف بالأخلاق الحسنة وعدته بالثواب الجزيل والدرجات الرفيعة، ومن ساء خلقه وأطلق العنان لنفسه وعدته بالعقاب الأليم.

قال الرسول (ص): « إنّ العبد ليبلغ بحسن خُلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل، وإنّه لضعيف العبادة »[1].

وقال أيضا: « إنَّ حُسن الخُلق يبلغ درجة الصّائم القائم »[2].

وقال موصيا: « يا بني عبدالمطلب، أفشوا السلام وصِلوا الأرحام، وأطعموا الطعام، وطيّبوا الكلام تدخلوا الجنة بسلام »[3].

وقال أيضا: « إنَّ الخُلق الحسن يميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد. . »[4].

وفي هذا السياق، قال الإمام الصادق (ع): « إنَّ اللّه تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخُلق كما يعطي المجاهد في سبيل اللّه يغدو عليه ويروح »[5].

ثم إنّ هناك تلازما بين قبول الأعمال عموما والعبادية منها على وجه الخصوص وبين الأخلاق، فقد روي أنّ رسول اللّه (ص) سمع امرأة تسبُّ جارتها وهي صائمة، فدعا بطعام فقال لها: « كلي! فقالت إنّي صائمة! فقال (ص): كيف تكونين صائمة وقد سببت جارتك. .؟! »[6].
 
 ثانيا: بيان العقيدة للمعطيات الدنيوية للأخلاق:
فمن يتّصف بالأخلاق الحسنة، يستطيع التكيّف والمواءمة مع أبناء جنسه، ويعيش قرير العين، مطمئن النفس، هادئ البال، أما من ينفلت من عقال القيم والمبادئ الأخلاقية، فسوف يتخبط في الظلام، ويعيش القلق والحيرة فيعذب نفسه ويكون ممقوتا من قبل أبناء جنسه، ويدخل في متاهات لا تُحمد عقباها.

يقول الرسول الأكرم (ص): «حُسن الخُلق يثبّت المودّة»[7]. وقال وصيه الإمام علي (ع):.. «وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق »[8]. وقال الإمام الصادق (ع) موصيا: « وإن شئت أن تُكرَم فَلِنْ، وإن شئت أن تُهان فاخشن »[9]، وقال أيضا (ع): «البر وحسن الخُلق يُعمران الدّيار، ويزيدان في الأعمار»[10].

وبالمقابل فإنّ للأخلاق السيئة معطيات سلبية يجد الإنسان آثارها في دار الدنيا، قال الإمام الصادق (ع): « من ساء خُلقه عذَّب نفسه »[11]، وقال (ع) لسفيان الثوري الذي طلب منه أن يوصيه: « لا مروءة لكذوب، ولا راحة لحسود، ولا إخاء لملول، ولا خُلّة لمختال، ولا سؤدد لسيء الخُلق »[12].
 
 مما تقدم اتضح أنّ العقيدة ترغّب الإنسان بالتحلي بالأخلاق الحميدة من خلال إبرازها للمعطيات الإيجابية ـ الأخروية والدنيوية ـ التي سيحصل عليها إذا سار في طريق التزكية، وبالمقابل تردعه عن الأخلاق السيئة من خلال بيان الآثار السلبية ـ الاُخروية والدنيوية ـ المترتبة عليها.

ثالثا: تقديم التوصيات والنصائح:
تقدم العقيدة ـ من خلال مصادرها المعرفية ـ التوصيات القيمة في هذا الصدد، التي تزرع في الإنسان براعم الأخلاق الحسنة، وتستأصل ما في نفسه من قيم وأخلاق فاسدة.

من كتاب النبوة عن ابن عباس عن النبي (ص) قال: «أنا أديب اللّه، وعلي أديبي، أمرني ربي بالسخاء والبر، ونهاني عن البخل والجفاء، وما من شيء أبغض إلى اللّه عزَّ وجل من البخل وسوء الخلق، وإنه ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل»[13].

وقال وصيه الإمام علي (ع): «.. روضوا أنفسكم على الأخلاق الحسنة، فإنَّ العبد المسلم يبلغ بحسن خُلقه درجة الصائم القائم»[14].

وقال أيضا موصيا:.. « عوّد نفسك السّماح وتخيّر لها من كلِّ خلق أحسنه، فإنّ الخير عادة »[15].

وقال (ع): «. . وعليكم بمكارم الأخلاق فإنّها رفعة، وإيّاكم والأخلاق الدنية فإنّها تضع الشريف وتهدم المجد »[16].

من هذه الشواهد المنتخبة، نستطيع القول بأنّ العقيدة تقدّم نصائحها وتوصياتها القيمة مُدعمة بالمعطيات والدلائل المقنعة، لتشكّل جدارا من المنعة يحول دون جنوح الإنسان المسلم إلى هاوية الأخلاق السيئة.

رابعا: أُسلوب الأُسوة الحسنة:
وهو أحد الأساليب التربوية للعقيدة، تربط الأفراد المنتسبين إليها برموزها، لكونهم التجسيد المثالي أو الكامل لتوجهاتها، وهم المنارة التي تبعث أنوارها، وعليه فهي تحث الأفراد على الاقتداء بهم بغية التأثر بأخلاقهم والتزود من علومهم.
قال تعالى: (لقد كانَ لكُم في رسولِ اللّه أُسوةٌ حسنةٌ..)[17]. لأنّ سيرة الرسول (ص) هي التجسيد الواقعي الكامل للرسالة، ولما كان الرسول (ص) ـ كما وصفه القرآن الكريم ـ يمثل قمةً في مكارم الأخلاق: «وإنَّكَ لعلى خُلُقٍ عظيم»[18] توجّب على المسلمين أن يدرسوا أخلاقه ويهتدوا بسنته ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

كان رسول اللّه (ص) يستمد خُلقه من اللّه تعالى ومن كتابه الكريم، قال تعالى: «خُذِ العَفوَ وَأمُر بالعُرفِ وأعرض عن الجاهِلِينَ»[19].

وروي أنّه لمّا نزلت هذه الآية الجامعة لمكارم الأخلاق، سأل الرسول (ص) جبرئيل (ع) عن ذلك فقال: «لا أدري حتى أسأل العالم ثم أتاه فقال: يا محمد إنَّ اللّه يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك»[20].
لقد دعا الرسول (ص) إلى التحلّي بمكارم الأخلاق كالتواضع والجود والأمانة والحياء والوفاء. .. وما إلى ذلك، كما نهى عن مساوئ الأخلاق كالبخل والحرص والغدر والخيانة والغرور والكذب والحسد والغيبة. وهكذا جهد لتقويم كل خلق شائن، والشواهد كثيرة، لا يسع المجال لها، قال الإمام علي (ع): «ولقد كان (ص) يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه»[21].

فالرسول (ص) وهو الرمز الأكبر للعقيدة الإسلامية، يحرص أشد الحرص على هداية الناس إلى سواء السبيل، لأنَّ عملية البناء الحضاري للإنسان تصبح عبثا لا طائل تحته من دون عملية التوجيه والهداية. وأهل البيت: هم نجوم الهداية الأبدية لهذه الاُمة، قال أميرالمؤمنين (ع): «.. ألا إنّ مثل آل محمد (ص) كمثل نجوم السماء إذا خوى نجمٌ طلع نجمٌ..»[22].

والهداية ـ بلا شك ولا شبهة تستلزم النجاة ـ هي الغاية المنشودة للإنسان المسلم، ومن هنا يكمن المعنى العميق، والتشبيه البليغ، في حديث الرسول الأكرم (ص): «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له»[23].

وصفوة القول، إن لأهل البيت: دورا كبيرا في بناء الإنسان المسلم، وانقاذه من شتى أنواع الانحدار والضلال وليصل به إلى شاطئ النجاة.

قال أمير المؤمنين (ع): «اُنظروا أهل بيت نبيكم، فالزموا سمتهم، واتَّبعوا أثرهم، فلن يُخرجوكم من هدىً، ولن يعيدوكم في ردىً. .[24]، وقال (ع) أيضا: نحن النمرقة الوسطى بها يلحق التالي وإليها يرجع الغالي»[25].

ولقد سار الأئمة الأطهار: على نهج النبي (ص) وسنته، فقاموا بدور حضاري مشهود في إشاعة وترسيخ الأخلاق الفاضلة، والردع عن الاخلاق الذميمة، وكانوا يركزون على الجوهر بدلاً من المظهر، ويعتبرون تحلية الجوانح بالاخلاق الفاضلة أفضل وأولى من تحلية الجوارح بالملابس الفاخرة، فأصبح سلوكهم لنا أُسوة ومواقفهم قدوة، فعن الإمام الصادق (ع): «خطب علي (ع) الناس وعليه إزار كرباس غليظ، مرقوع بصوف، فقيل له في ذلك، فقال: يخشع القلب، ويقتدي به المؤمن»[26].

والباحث يجد أن قضية الاخلاق قد احتلت مساحةً كبيرةً من آثار أهل البيت: كنهج البلاغة والصحيفة السجادية وغيرهما لما لهذه القضية الجوهرية من دور مهم في البناء التربوي للإنسان المسلم، عن جرّاح المدائني أنّه قال: قال لي أبو عبداللّه (ع): «ألا أُحدّثك بمكارم الأخلاق؟ الصفح عن الناس، ومواساة الرّجل أخاه في ماله، وذكر اللّه كثيرا»[27].

وفي الوقت الذي يردع فيه آل البيت: كل انحراف أخلاقي، فإنّهم يسترون على الناس معائبهم، ولا يستغلون ذلك ذريعة للتشهير بهم والنيل منهم، فمن كتاب أمير المؤمنين (ع) للأشتر لمّا ولاّه مصر: «وليكن أبعد رعيّتك منك، وأشنأهم عندك، أطلبهم لمعائب الناس، فإنّ في الناس عيوبا، الوالي أحقُّ من سَتَرها، فلا تكشفنَّ عمّا غاب عنك منها، فإنّما عليك تطهير ما ظهر لك. . فاستر العورة ما استطعت..»[28].

وكانوا يتبعون أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، فعن الحسين بن علي (ع) أنه قال لرجل اغتاب رجلاً: «يا هذا كفّ عن الغيبة فإنّها أدام كلاب النّار»[29].

وقال رجل للإمام علي بن الحسين (ع): إنّ فلانا ينسبك إلى أنّك ضالٌّ مبتدع، فقال له الإمام (ع): « ما رعيت حقّ مجالسة الرجل، حيثُ نقلت إلينا حديثه، ولا أدّيت حقّي حيثُ أبلغتني من أخي ما لست أعلمه!.. واعلم أنّ من أكثر عيوب الناس شهد عليه الإكثار، أنّه إنّما يطلبها بقدر ما فيه »[30].

وكان من دعائه (ع): «اللهمَّ إنّي أُعوذ بك من هيجان الحرص وسَورة الغضب وغلبة الحسد وضعف الصبر وقلّة القناعة وشكاسة الخُلق..»[31].
 
* الأستاذ عباس ذهبيات – بتصرف يسير


[1] المحجة البيضاء 5: 93.
[2] ارشاد القلوب 1 ـ 2: 133 ـ منشورات الرضي ـ قم.
[3] ارشاد القلوب 1 ـ 2: 133.
[4] اُصول الكافي 2: 100 / 7 كتاب الإيمان والكفر.
[5] اُصول الكافي 2: 101 / 12 كتاب الايمان والكفر
[6] الاخلاق، للسيد عبداللّه شبر: 70 ـ منشورات مكتبة بصيرتي ـ قم.
[7] تُحف العقول: 38.
[8] تحف العقول: 98.
[9] تحف العقول: 356.
[10] اُصول الكافي 2: 100 / 8 كتاب الايمان والكفر.
[11] اُصول الكافي 2: 321 / 4 كتاب الإيمان والكفر.
[12] في رحاب أئمة أهل البيت: ، للسيد محسن الأمين 4: 69 عن تحف العقول.
[13] مكارم الاخلاق، للطبرسي: 17.
[14] الخصال، للصدوق 2: 621 حديث الاربعمائة
[15] بحار الانوار 77: 213 عن كشف المحجة لثمرة المهجة: 157 الفصل 154 ـ طبع النجف الأشرف.
[16] بحار الانوار 78: 53 عن الغرر والدرر، للآمدي.
[17] الأحزاب 33: 21.
[18] القلم 68: 4.
[19] الأعراف 7: 199.
[20] مجمع البيان، للطبرسي 3: 89 ـ منشورات مكتبة الحياة عام 1980 م.
[21] نهج البلاغة، صبحي الصالح: 228 / خطبة
[22] شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 7: 84.
[23] المراجعات، للسيد عبدالحسين شرف الدين: 23 المراجعة الثامنة، وفي هامش (37) اخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد.
[24] شرح النهج، لابن أبي الحديد 7: 76.
[25] شرح النهج 18: 273.
[26] مكارم الاخلاق، للطبرسي: 113.
[27] معاني الاخبار، للصدوق: 191.
[28] نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: 429 كتاب 53.
[29] تحف العقول: 176 ـ مؤسسة الاعلمي ط 5.
[30] الاحتجاج، للطبرسي 1 ـ 2: 315 ـ مؤسسة الاعلمي ط 1401 ه.
[31] الصحيفة السجادية الجامعة: 69 ـ مؤسسة الامام المهدي (عج) ـ قم ط1.

30-05-2017 | 15-40 د | 2460 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net