"البيان" و"الخطابة" من جملة أساليب وفنون التبليغ والهدف منهما إيصال المفاهيم إلى الآخرين وتربيتهم وهما من جملة الأعمال الثقافية والتعليمية. وأما الذي يعجز عن إيصال ما يعرفه إلى الآخرين وبطريقة حسنة ومقبولة فإن علومه ومعارفه ستكون بلا ثمرة.
الكلام يترك آثاراً على الآخرين، فإن احتوى الخصائص الفنية والمهارات الموجودة في فن الخطابة، عند ذلك يتضاعف تأثيره، والموفق هو الذي يتمكن من جعل كلامه ينفذ إلى قلب وروح المخاطبين.
يقول الأصمعي: قال رجل لبنيه: يا بني! أصلحوا ألسنتكم فإن الرجل تنوبه النائبة يحب أن يتجمل فيها فيستعير من أخيه دابته وثوبه، ولا يجد من يعيره لسانه1.
وجاء في حديث عن الإمام أمير المؤمنين: "أحسن الكلام ما زانه حُسن النظام وفهمه الخاص والعام"2.
وأما معرفة "حسن النظام" فهو شيء يتضح في علم البلاغة وفن الخطابة.
ما سنقدمه في هذا المقال عبارة عن نقاط حول أساليب الخطابة وكيفية تنظيم المطالب وهي أيضاً تمارين عملية وتحصيل للمهارات التجريبية. وفي هذا الخضم لا بدّ من التأكيد على آداب الخطابة الحسنة. جاء في حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام : "المرء مخبوء تحت لسانه"3.
ماهية الخطابة
ليست الخطابة مجرد الحديث في جمع من البشر بل هي نوع من تحريك الأفراد وتوجيههم للقيام بعمل ما أو ترك آخر. ومن هنا يجب القول بضرورة أن يكون الكلام والخطابة بحيث تدفع الأفراد للقيام بعمل ما أو ترك آخر. وعلى هذا الأساس يمكن القول أن الخطابة فن ذو خصائص معينة، مثال ذلك يجب القيام بالخطابة لتشجيع الناس على الجهاد، والإنفاق، والعمل، والدراسة، والخدمة والإيثار... وكذلك لتشجيعهم على ترك بعض الأعمال كالكسل، الخوف، التراجع، السعي نحو الدنيا، الحرص، التكبر والأنانية...
وقد يكون التشجيع والتشويق إما على أساس المحبة والحنان أو التنفر والبغض. أي إما أن يؤدي التشجيع إلى إيجاد العشق والفرح والأمل والمحبة في قلب المستمع وإلا فإنها ستؤدي إلى إيجاد اليأس واضطراب...
ويساعد "الخطيب" على هذه المسألة أمور:
ـ العامل الداخلي المشجع.
ـ الأسلوب التدريجي في تحريك المخاطب.
ـ الاطلاع على ظروف الزمان والمكان.
ـ الدقة في معرفة خصائص المستمعين.
ـ تناسب مقدار التشجيع مع الموضوع.
ـ أن يكون التشجيع طبيعياً وليس تصنيعاً.
الأستاذ جواد محدثي
مجلة مبلغان
1- مصنفات الشيخ المفيد، ج2، ص91.
2- غرر الحكم.
3- نهج البلاغة، فيض الإسلام، الحكمة 140.