تحدثنا في المقالة السابقة حول ماهية الخطابة وأبعادها وعناصرها. ونشير هنا إلى بعض مشاكل المنبر ومن ثم نتعرض للحديث حول أساليب الخطابة العملية حيث نقدم بعض الملاحظات.
الثقة بالنفس
الثقة بالنفس من جملة عوامل وأسباب التوفيق في الخطابة. يتمكن الخطيب من خلال الثقة بالنفس، معرفة قدراته للخطابة واستعماله هذه القدرات. وتؤدي هذه المسائل إلى عدم خجل الخطيب أمام المخاطبين، وهنا ينبغي الإشارة إلى بعض النقاط:
1 ـ يجب أن نفترض بأن المخاطبين لا يعلمون شيئاً حول الموضوع لا بل هم مشتاقون للاستماع إليه على لسان الخطيب.
2 ـ عندما نطالع حول موضوع ما بشكل كافٍ فهذا يعطينا قوة قلب عند الخطابة.
3 ـ ويساهم الوقوف أمام المرآة والتمرين على الخطابة في ازدياد الثقة بالنفس.
4 ـ ينبغي أن نلقن أنفسنا بأننا قادرون على الخطابة وأن المشاكل ما هي إلا أمور جزئية يمكن تجاوزها.
5 ـ يجب أن ندرك بأن الخطباء المشهورين كانوا لا يعرفون شيئاً عن الخطابة ثم اكتسبوا هذه المهارة من خلال التمرين.
6 ـ ينبغي أن نتصور جلسة الخطابة كالمعركة التي ستكون فيها موفقين ما دمنا نمتلك روحية عالية وفاشلين إذا فقدنا تلك الروحية.
7 ـ قد يؤدي الشروع بالخطابة إلى استذكار المعلومات اللاحقة وقد يتبادر إلى أذهاننا مسائل لم نكن قد فكرنا فيها من قبل. وهذا يؤدي إلى مزيد من القوة للروح والثقة بالنفس. كثيراً ما يؤدي الشروع بالكلام إلى استذكار المحفوظات واسترجاع المعلومات التي كنا نعلمها.
8 ـ ينبغي أن يستمع الخطيب إلى الاقتراحات التي تقدم له حيث يساهم هذا الأمر في تقوية الثقة بالنفس.
9 ـ أن الذي يهيئ نفسه للخطابة سيمتلك مقداراً أكبر من الثقة بالنفس لذلك يجب العمل لتحصيل هذا الاستعداد.
مشكلة الخجل
يواجه الكثير من الأشخاص مشكلة الخجل من الخطابة أمام جمع من الناس فيصابون بالاضطراب.
ما هو مصدر الخجل؟ وكيف يمكن التغلب عليه؟
إن الذي يخجل هو الذي يرفض إظهار نفسه حيث يرى أن شخصيته ليست على استعداد وليست صاحبة قدرة.يظن هذا الشخص أنه بكلامه سيريق ماء وجهه وسيدمر الأمور، أو أن الحاضرين سيضحكون منه أو أن شخصيته ستهان... وإلى ما هنالك من الأمور التي تحمل في طياتها الحؤول دون نمو ورشد هذا الشخص.يقول الإمام علي عليه السلام: "قُرِنَت الهيبة بالخيبة والحياء بالحرمان"1.
وأما جذور وعوامل الخجل فهي كالتالي:
1 ـ الثقافة والتربية العائلية.
2 ـ عدم الثقة بالنفس.
3 ـ الخوف من المجهولات المستقبلية.
4 ـ الإحساس بالحقارة.
5 ـ الانزواء.
6 ـ الشعور بأن الشخصية وهمية والخوف من زوالها.
عندما يمنع الأب والأم أبناءهما من الحديث أمام الآخرين فهذا يساهم في وجوده عقدة الحقارة لديهم فيخجلون من الحديث أمام الآخرين، ويزول الخوف من خلال التكرار ويزول معه الخجل ويصبح الأمر عادياً عند الإنسان، كل ما هو غير عادي يؤدي إلى الخجل والعكس صحيح أي كلما كان الأمر عادياً وطبيعياً كلما زال الخجل، ينبغي أن نلقي أنفسنا في كل ما نخشاه ليزول الخجل والخوف. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "إذا هبت أمراً فقع فيه فإن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه"2.
لعل الخوف من الشيء أكثر وقعاً وتأثيراً وشدة من نفس الشيء، حتى إذا ما دخله الإنسان وجده سهلاً وبسيطاً. بعض الأحيان يمتنع الإنسان عن القيام بأمر ما بسبب عدم معرفته بقدراته واستعداداته أو عدم معرفته بأبعاد وجوانب العمل. ولكن بعد قيامه بالعمل يدرك قدراته واستعداداته بشكل أفضل. مثال ذلك الشخص الذي يرغب القفز من مكان إلى آخر قد يخاف في الوهلة الأولى ويتوهم السقوط ولكن المشكلة هي في المرة الأولى فإذا قفز زال الخوف وأصبحت الخطوات اللاحقة عادية وسهلة.وهكذا يكون حال الخطابة في حضور جمع من الناس إذا يجب الشروع ليزول الخوف. يقول آمرسون: "إن الذي لا يتمكن من التغلب على خوفه، فهو لم يتعلم الدرس الأول للحياة".
بعض الأشخاص يضطربون عند دخول شخص هام إلى المجلس، فنراهم يتصرفون بشكل خارج عن طبيعتهم ويفقدون السيطرة على الخطاب، لذلك يجب عليهم التحلي بأعلى درجات الثقة بالنفس والتصميم على الاستمرار بالخطاب بشكل جدي.
جواد محدثي-مجلة مبلغان
1- ميزان الحكمة، ج2، ص565.
2- نهج البلاغة (صبحي الصالح)، الحكمة 175.