نحن ندرك أنّ التبليغ رسالة تقف على رأس وظائف أنبياء الله تعالى. وهي من دون شك من
أهمّ وظائف وارثي الأنبياء عليهم السلام. والذين أخذوا على عاتقهم القيام بهذا
العمل فقد تحمّلوا أفضلَ وأهمّ الوظائف، "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا
إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ".
إذا أردنا الاطلاع على الموقع الواقعي لمبلّغ الدين يجب علينا أن نطلع على المنزلة
التي كان يتمتع بها أنبياء الله عليهم السلام وعلى رأسهم خاتم الرسل محمد صلى الله
عليه وآله وسلم ونتعرف على الدور الذي كان يقوم به بين الناس.
مما لا شك فيه أن الاطلاع على دور الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يتضح - وقبل أي
كلام من خلال العبارة التي ذكرها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة 108
من نهج البلاغة، يتحدث فيها الإمام عليه السلام حول الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم ويقول: "طبيب دوار بطبه قد أحكم مراهمه وأحمى مواسمه يضع ذلك حيث الحاجة إليه..."1.
وإذا دققنا في مسألة تشبيه المبلّغ بالطبيب لطالعتنا مسائل عميقة ودقيقة يحتاج
الحديث حولها إلى مجال آخر. ولكن يظهر في النظرة الأولى أننا إذا رغبنا بوجود تبليغ
لائق ومؤثر يجب علينا التعرف على الأشخاص أصحاب الاستعدادات ثم اختيارهم للعمل بعد
وضع الإمكانات اللازمة والضرورية في متناول أيديهم، والأهم من ذلك جعلهم قادرين على
الاستفادة المناسبة من الإمكانيات والأدوات والتعاليم.
من جهة أخرى يمكن الحديث عن المبلغ باعتباره جندياً يقف في الخط الأول من الجبهة
الثقافية، لذلك إذا أردنا الانتصار في هذه الجبهة يجب أن نمتلك معرفة دقيقة
بالجبهتين الموافقة والمخالفة وامتلاك الإمكانيات المناسبة والقدرات والمهارات التي
تسمح للمبلّغ بالاستعانة بالسلاح المناسب لدخول المعركة.
وإذا كان المبلّغ في المعركة الثقافية يمتلك الاستعداد الكافي للتضحية والإمكانيات
الضرورية إلا أنه يفتقد إلى مهارة استخدامها عند ذلك لن يخرج منتصراً من المعركة
وهذا يعني أننا لن نصل إلى الهدف المطلوب.
بناءً على ما تقدم فإذا رغبنا بالنصر في متراس التبليغ ينبغي أن نمتلك جناحين "المضمون"
و"المهارة" لنتمكن من التحليق في سماء هذه الرسالة الإلهية الكبيرة.وسنركز في هذا
المقال على مسألة "المهارة" وهذا لا يعني الغفلة عن "المضمون" على أساس أن أهمية
المضمون وضرورة الاهتمام بإتقانه أمرٌ لا يخفى على أحد، لا بل المضمون هو الركن
الأساسي في التبليغ الذي يجب الحديث عنه في مكانه. من جهة أخرى يبرز موضوع القالب
كعنوان أساسي على أساس أن المضمون يجب أن يقوم في قالب معين، وعلى المبلّغ أن يمتلك
مهارة الاستفادة من القوالب.تحدثنا فيما تقدم أن التبليغ عبارة عن الطبابة الروحية
والمعنوية ومضمون التبليغ بمثابة الدواء الذي يعطى للمريض عند حالات خاصة، هنا يمكن
الحديث عن مهارة الطبيب في إعطاء الدواء المناسب للمرض المناسب.
* مجلة مبلغان
1- نهج البلاغة، الخطبة 108.