مهارة "العمل"
قال الإمام علي عليه السلام: "عِلمُ المؤمن في عَمله"1.
إذا رغب مبلّغ الدين دخول وادي الهداية والوصول إلى مستوى التبليغ المؤثر، فأمامه
طريقان: الطريق العملي، والطريق العلمي، حيث يكون أحدهما أساسياً أصيلاً، والآخر
فرّعياً.
الطريق الأصيل
تفيد الآيات والروايات أنّ المبلّغ مُكلَّف باللجوء إلى أفضل الطرق وأكثرها تأثيراً
ألا وهو العمل. يقول الإمام الصادق عليه السلام: "كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم
ليروا منكم الورعَ والاجتهاد والصلاة والخير وانّ ذلك داعية"2.
ويقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ الوعظ الذي لا يَمجُّه سمعٌ ولا
يَعدلُه نفعٌ ما سَكتَ عنه لسانُ القول، ونطقَ به لسانُ الفعل"3.
نرى في هذين الحديثين الشريفين أن التبليغ الواقعي هو "التبليغ العملي". وهذا يعني
أن على المبلّغ وقبل أن يدعو الآخرين أو يعلمهم يجب أن يدعو نفسه ويصدق ما يطلب من
الآخرين القيام به. ومن هنا نجد القرآن الكريم يتحدّث عن الأشخاص الذين يقولون ما
لا يفعلون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ
تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا
لَا تَفْعَلُونَ)4.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يا بن مسعود، لا تكوننّ ممن يهدي الناس إلى
الخير ويأمرهم بالخير وهو غافل عنه، يقول الله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ)"5.
وقالب العمل من أكثر القوالب تأثيراً في عمل المبلّغ، لا بل لن يكون التبليغ مؤثراً
من دون العمل، يقول الإمام الصادق عليه السلام: "العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت
موعظته من القلوب كما يزلّ المطر عن الصفا"6.
ويقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ذاكراً تمثيلاً جميلاً: "يا أبا ذر!
الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر"7 ويخاطب صلى الله عليه وآله وسلم
الإمام علي عليه السلام قائلاً: "يا علي لا خير في قول إلا مع الفعل"8.
وإذا راجعنا كتاب تاريخ الأنبياء لوجدناهم أسرع الناس إلى العمل بالأوامر الإلهية
وكانوا أكثر الناس عبادة وعملاً وتقوى.إذاً العمل هو أكثر الأسلحة فعالية في متراس
التبليغ وأكثر القوالب تأثيراً في المحتوى هو التزام المبلغ بالتعاليم الدينية.
* مجلة مبلغان
1- غرر الحكم، ص220.
2- الحياة، ج1، ص113.
3- المصدر نفسه، ص291.
4- سورة الصف، الآيتان: 2 - 3.
5- الحياة، ص286.
6- المصدر نفسه، ج1، ص113.
7- المصدر نفسه.
8- المصدر نفسه.