مقدمة:
أشرنا في المقال السابق إلى موقع التبليغ في الإسلام حيث ذكرنا العديد من
الروايات التي تؤكد المقام الرفيع للتبليغ، واعتبرنا أنّ المبلّغ كالطبيب والمجاهد
الذين يجب أن يمتلكا رأس مال وإمكانيات وتجهيزات كافية للموفقية في الطبابة والجهاد،
كذلك ينبغي أن يحظيا بمهارة استعمال تلك الأمور بشكل يتناسب مع موقفهم ومن أهم
المهارات التي يجب الإشارة إليها "العمل" و "التبليغ السلوكي".
المهارة العلمية (القولية والكتابية):
إنّ العصر الذي نعيش فيه هو عصر الإعلام وهناك مجموعة من وسائل الإعلام التي
تمكنت من ربط مختلف نقاط هذه الكرة الأرضية وكأننا نعيش اليوم في قرية صغيرة بحيث
نتمكن من الاطلاع على ما يحدث فيها بسهولة.إن وجود الوسائل والشبكات الصوتية
والصورية وتنوّع البرامج زاد من قدرة المخاطب على الاختيار حيث يتمكن المخاطب
وبسهولة بالغة من اختيار ما يريد، وازداد أيضاً الطلب على البرامج حيث أصبحت في
الطليعة من حيث "المضمون" و"القالب".
والمضمون في التبليغ هو كالمواد الضرورية للبناء، والدواء للطبيب والمواد الغذائية
للطباخ... وإذا كان وجود المواد الأولية ضرورياً فإن الذي يضفي الجاذبية هو "القالب"
الذي نضع فيه المضمون والمواد الأولية لذلك نرى الناس تختار من بين مجموعة الألبسة
والمباني والأطعمة والأقوال والكتابات وتصبح متعلقة بالبعض فقط.
بعبارة أخرى المبلغ كالبائع الذي يعرض بضاعة الثقافة والمعنويات في الواقع فإن
المبلغ يعيش في سوق ملتهب لذلك ينبغي عليه أن يقدم البضاعة المرغوبة في قالب جذاب
ومناسب وإلا فلن يكون هناك إقبال عليه.
المحتوى الخالص
إنّ دين الإسلام القائم على أساس الفطرة والعقل والتفكير، يتمكن من الإجابة على
كافة احتياجات البشر في جميع الأزمنة والأمكنة لما يتمتع به من غنى في المصادر،
بحيث لا نجد أي نقص فيه.
﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ
شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾.إنّ القرآن الكريم هو
ذاك المحيط السماوي اللامتناهي وهو ذاك المصدر الذي لا ينضب والذي يحمل أغنى جواهر
المعرفة في أعماقه.
قال الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ الله لم يَدع شيئاً تحتاج إليه الأمة إلى يوم
القيامة إلا أنزله في كتابه وبيَّنه لرسوله وجعل لكلّ شيءٍ حدّاً وجعل عليه دليلاً
يدل عليه".
وقال الإمام الباقر عليه السلام: "إن حديثنا يحيي القلوب".
ينبغي أن يكون المبلّغ كالغواص الماهر في أعماق القرآن والعترة يستخرج جواهر
الهداية ويروي بمعارفه العطشى. فيجب أن يعلم المبلغ بأن امتلاكه مضموناً خالصاً لا
يكفي لتوفيقه في متراس التبليغ بل اكتساب المهارات لوضع المضمون في قوالب مناسبة
وجذابة هو أيضاً مسألة لا يمكن إنكارها.وإذا كنا نعرف من المبلغين والعلماء
العارفين بالمصادر الدينية ممن لم يوفقوا في المواضيع الإسلامية عند عرضها على
الطالبين، فإن ذلك يعود إلى كيفية تقديم هذه البضاعة الثقافية، وإذا تمكنت الحوزة
العلمية من التقدم على مستوى المضمون جنباً إلى جنب المهارات القولية والكتابية
فستكون مؤثرة ومفيدة بشكل أكبر في الجبهة الثقافية.
عند التبليغ (سواء للحق أو الباطل) هناك أربع أوجه متصورة:
ألف - مضمون قوي، وقالب قوي.
ب- مضمون قوي، قالب ضعيف.
ج - مضمون ضعيف، قالب قوي.
د- مضمون ضعيف، قالب ضعيف.
أما الحالة ألف فهي أفضل الحالات وأكثرها تأثيراً لأننا نمتلك مضموناً سماوياً
خالصاً إلا أننا نُبتلى في الكثير من الحالات ولحالة "ب": وهي حالة ليست ذات فائدة
كبيرة، وهناك من يختار الحالة "ج" حيث أن هؤلاء لا يمتلكون اطلاعاً عميقاً ودقيقاً
على المعارف الإسلامية إلا أنهم يمتلكون جاذبية ظاهرية تجعل البعض ينجر إليهم تحت
تأثير جمال الخطاب وهو من الطرق التي يعمل أعداؤنا على امتلاكها لمحاربتنا.
أما الحالة "د" فإن عدم فائدتها واضحة حيث تصفو عليها المشاكل.
* مجلة مبلغان