المهارات العلمية:
تحدّثنا فيما مضى عن "التبليغ العملي" واعتبرناه الطريق الأساسي لإيصال رسالة الله
تعالى إلى الناس ومن خلال دراسة الآيات والروايات ندرك الحقيقة التالية وهي أن
المبلغ الديني يجب أن يلتزم بشكل جدي بجميع الأصول والقيم الإسلامية وينبغي امتلاك
الأسلحة والأدوات اللازمة والضرورية لإيصال هذه الرسالة العظيمة وينبغي من خلال
المهارة العلمية تقديم المضمون الديني الخالص والفني بشكل جذاب ومناسب.
القرآن والعترة هما أفضل نموذج في هذا المجال حيث قدما المعارف الإلهية بأعلى مستوى
من الفصاحة والبلاغة".قال الإمام الصادق عليه السلام: "اعربوا حديثنا فإنّا قوم
فصحاء".
سلاح "القلم" و "اللسان"
﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾.
إن تعليم "البيان" هو من أبرز مظاهر الرحمة الإلهية للإنسان حيث يمكنه بواسطة هذه
النعمة الكبيرة من توضيح ما في ضميره وبهذا النحو يتمكن الإنسان من التواصل مع
أبناء نوعه.ويمتلك الإنسان وسيلتين هامتين وأساسيتين لإظهار احتياجاته الداخلية
ونعبّر عنهما بالسلاح وذلك لأهمية موضوع التبليغ.
وإذا رغب المبلغ في إقامة علاقة مؤثرة مع مخاطبيه فيمكنه اللجوء إلى "الكتابة" و "الخطابة"
وهذا يعني أن على الإنسان امتلاك مهارة استعمال سلاح القلم واللسان.قال الإمام علي
عليه السلام: "الألفاظ قوالب المعاني".
ويتمكن المبلّغ الذي يمتلك هذين السلاحين من دخول معركة "الجهاد الثقافي" وسيكون
بلا شك موفقاً في معركة الدفاع عن القيم الإسلامية.
أما فيما يتعلق بفن الكتابة فإذا راجعنا سوق المطبوعات فسنجد أن حضورنا فيه قليل
وقليل جداً وإذا قدمنا شيئاً مكتوباً فسنجد عدم الإقبال عليه لعدم جاذبيته حتى وإن
كان ذا مضمون عالٍ.
وفيما يتعلق بفن الكلام والخطابة فصحيح أن هناك بعض الجلسات واللقاءات التي تقام
هنا وهناك إلا أنه يجب الاعتراف بأن هذا الفن يتجه نحو الأفول، وبما أن هذين
الأمرين مرتبطان ببعضهما البعض فسنجدهما يظهران ويتجليان بشكل تقليدي يمارسه البعض.
فيما يلي نشير إلى بعض الآيات والروايات والنقاط التي تبين أهمية القلم واللسان
ونوكل التفصيل فيها إلى المقالات اللاحقة.
1- اعتبر الله تعالى في القرآن الكريم أن تعليم "البيان" للإنسان هو أحد مصاديق
رحمته."البيان" هو إظهار ما في الضمير الذي قد يحصل بالقلم واللسان وهذا يعني أن
البيان غير محصور بالقول فقط.
2- يرتبط الكلام والكتابة بعلاقة وثيقة وقد دلّت التجربة أن الأفراد الذين يمتلكون
مهارة الكتابة بشكل جميل فإن هذه المهارة تظهر في أقوالهم أيضاً فيتحدثون بعبارات
جميلة أيضاً.
3- التبليغ هو عملية ذات طرفين وليست كما يتصور البعض بأنه ذات طرف واحد. وهذا يعني
أن المبلغ ومن خلال نوع سلوكه الكتابي يحدد كيفية سلوك وتصرف الناس معه.قال الإمام
علي عليه السلام: "اجملوا الخطاب تسمعوا جميل الجواب".
4- كان أهل البيت عليهم السلام يتحدثون وهم في أعلى مستويات الفصاحة والبلاغة وجمال
العبارات. يقول الإمام علي عليه السلام: "وإنّا لأمراء الكلام وفينا تنثبت عروقه
وعلينا تهدلت غصونه".عن سليمان بن مهران قال: دخلت على الصادق عليه السلام وعنده
نفر من الشيعة فسمعه يقول: "معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً
قولوا للناس حسناً واحفظوا ألسنتكم وكفّوها عن الفضول وقبيح القول".
5- الأسلوب الحسن والجميل في القول والكتابة من وسائل جذب الأشخاص. قال الإمام علي
عليه السلام: "من عُذَبَ لسانُه كَثُرَ إخوانه".
6- القلم واللسان وسيلتان هامتان لإظهار العقائد والمطالب الموجودة في ضمير الإنسان.
قال الإمام علي عليه السلام: "الكتاب ترجمان النية"، وقال عليه السلام أيضاً:
"الألفاظ
قوالب المعاني".
7- تترك المكتوبات والمقولات آثاراً عميقة (حسنة أو سيئة) في وجود الأفراد. قال
الإمام علي عليه السلام: "رب قول أنفذ من سهام".
8- شخصية الإنسان مخبوءة تحت لسانه وقلمه وتلعب المكتوبات والمقولات دوراً أساسياً
في التعريف بعقائد الشخص وروحياته. قال الإمام علي عليه السلام: "تكلموا تعرفوا فإن
المرء مخبوء تحت لسانه".
9- يبقى الموضوع ملكاً لنا ما لم نكتب أو نتحدث فإذا كتبنا وتحدثنا خرج من عندنا
إلى المخاطبين الذين سيقومون بتلقيه.قال الإمام علي عليه السلام: "الكلام في وثاقك
ما لم تتكلم به فإذا تكلمت به صرت في وثاقه".
* مجلة مبلغان