رفض القرآن الكريم الذي هو الفرقان ومعيار معرفة الحق من الباطل، الكثير من الأمور المخالفة للقيم الاجتماعية والتي كانت رائجة بين الناس، وكذلك حاول نقد وإصلاح بعض القيم الاجتماعية الصحيحة بهدف تصحيحها.
ومسألة العزة واحدة من جملة هذه القيم. وإذا عدنا إلى آيات القرآن الكريم لوجدنا أن الآيات التي تناولت مسألة العزة قد ركزت على المطالب الآتية.
1 ـ الله تعالى العزيز
تحدثت العديد من الآيات القرآنية عن أن الله تعالى هو العزيز: عزيز حكيم، عزيز ذو انتقام، عزيز مقتدر، هو القوي العزيز و...
2 ـ القرآن عزيز: ﴿إنه لكتاب عزيز﴾.
3 ـ إن العزة كلها لله تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً﴾1.
4 ـ العزة لله وللرسول والمؤمنين: ﴿وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾2.
يتضح من الآيات القرآنية الشريفة ما يلي:
ألف ـ الله تعالى هو العزيز الذي لا يقبل القهر.
ب ـ كتاب الله الذي أراده الخالق المتعالي محفوظ عن التحريف فهو عزيز.
ج ـ العزة كلها لله لذلك استعمل عبارة جميعاً حول الله تعالى ولم يستعملها حول غيره.
د ـ العزة لله وللمؤمنين المتمسكين بهذه العزة.
هـ ـ لا ينبغي طلب العزة من الكفار.
يحاول البعض اللجوء إلى الكفار حفاظ على عزة يعتقد أنها ستحصل له فيستعين بهم لمواجهة منافسيه، أما القرآن الكريم فقد تحدث حول هؤلاء الأشخاص معتبراً أن: ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلهِ جَمِيعاً﴾.
العزة الحسينية
يعتبر الإمام الحسين بن علي عليه السلام المثال الأبرز لمسألة العزة في العمل والقول وقد واجه أنواع الإذلال متمسكاً بالعزة الإلهية حفاظاً على دين الله تعالى، حيث قدّم في سبيل ذلك الغالي والنفيس، فقدم أبناءه شهداءَ أمام عينيه وثم أخذت عائلته السيرة مع الأعداء وواجه بنفسه أقسى أنواع الشهادة ومع ذلك لم يسمع منه إلا حمد الله والثناء عليه، فكان راضياً مسروراً. يقول الإمام عليه السلام في بعض خطاباته: "ليس شأني شأن من يخاف الموت. ما أهون الموت على سبيل نيل العز وإحياء الحق، ليس الموت في سبيل العز إلا حياةً خالدة, وليست الحياة مع الذل إلا الموت الذي لا حياة معه...
هل تقدرون على أكثر من قتلي؟ مرحباً بالقتل في سبيل الله ولكنكم لا تقدرون على هدم مجدي ومحو عزي وشرفي فإذاً لا أبالي بالقتل"3.
ويستفاد من عبارات الإمام عليه السلام ما يلي:
1 ـ إن شخصاً كالحسين بن علي عليه السلام لا يخاف الموت على الإطلاق، فإذا كان إمام المسلمين يخاف الموت فكيف بغيره.إن الذي يخاف الموت هو الذي لا يقبل ولا يؤمن بالعالم الآخر. والذي يخاف الموت هو الذي أصبح ذليلاً لملذات الدنيا وكل ذلك ليس من شأن الحسين بن علي عليه السلام.
2 ـ إن القيمة عند الإمام الحسين عليه السلام هي للعزة وإحياء الحق قبل الحياة، لذلك كان الموت في سبيل العزة وإحياء الحق سهلاً.
3 ـ الموت في سبيل العزة عند الإمام الحسين عليه السلام عبارة عن الحياة الخالدة الأبدية.
4 ـ والحياة الذليلة عبارة عن الموت والزوال في رؤية الإمام عليه السلام.
5 ـ يستوقفنا حديث الإمام عندما يقول: هل تقدرون على أكثر من قتلي؟ مرحباً بالقتل في سبيل الله.
6 ـ إن أعداء الإمام عليه السلام لم يتمكنوا من انتزاع المجد والعظمة والعزة والشرف الذي كان يتحلى به، وإذا كان الوضع على هذا المنوال فلما يخاف الموت.
يقول الإمام الحسين عليه السلام في أبيات شعرية جميلة:
الموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار4
وهنا نستذكر عبارة الإمام عليه السلام عندما يبين تخييره بين الذلة والموت فيقول: "هيهات منا الذلة".
مجلة مبلغان
1- فاطر: 10.
2-المنافقون: 8.
3-موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام ، ص360.
4-موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام ، ص499.