موقع الفكر
1 ـ الله تعالى يتحدّث مع العلماء
تتوجه الآيات الشريفة لمخاطبة العلماء، هذا بالالتفات إلى المقام الرفيع للمعرفة والفكر في القرآن؛ لأنهم يمتلكون القدرة على الدخول إلى عمق كتاب الوجود التكويني والكتاب السماوي، ومن ثمَّ هُمُ الذين يمكنهم الاستفادة منهما لأجل سعادة الدنيا والآخرة. وهنا نشير إلى بعض الآيات الشريفة: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾1.
ونقرأ في آية أخرى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ﴾2 .
وجاء في آية ثالثة : ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾3.
يقول الإمام العسكري عليه السلام: "إنما خاطب الله العاقل "4. الواضح أن هذه العبارة على رغم قِصَرها إلا أنها بليغة وعميقة تبين أن كلام الله وخطابه موجه لأصحاب الفكر والعقل.
2 ـ العبادة مع التفكير
كثيرون الذين يعتقدون أن العبادة منحصرة في الصلاة الواجبة والمستحبة والصيام الواجب والمستحب، من دون أن يفكروا في أسرارهما. لذلك نرى الإمام العسكري يؤكد عليه السلام على التفكير في العبادة ويقول: "ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة وإنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله "5.
3 ـ علامة العلماء
إن أسلوب الكلام هو أحد الأمور التي تدل على العلماء. وتوضح كتاباتهم وكلماتهم مقدار عقلهم ومستواهم الفكري. يقول الإمام العسكري عليه السلام في هذا الخصوص: "قلب الأحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه"6. العاقل هو الذي يفكر بداية فيما يدور حول جوانب كلامه، ويدرس نفعه وضرره ثم بعد ذلك يتلفظ بما يريد. وأما غير العاقل يتحدث بداية ثم يفكر في عواقب ما تلفظ به. فالعاقل قليل الخطأ والجاهل أو المنحرف قليلاً ما يصل إلى الصواب.
والسبب في ذلك أن الإنسان يضاء عقله وروحه الإنسانيين على أثر الفكر فيتمكن بتلك النورانية الخاصة من التمييز بين الحق والباطل والصحيح والخطأ. أما الجاهل فيقبع في ظلمات الجهل. يقول الإمام العسكري عليه السلام: "عليكم بالفكر فإنه حياة قلب البصير ومفاتيح أبواب الحكمة "7.
يقول الإمام علي عليه السلام في هذا الخصوص: "من فكَّر أبصر العواقب "8.
4 ـ عاقبة عدم التفكير
إن عالم الآخرة هو التجسيد الواسع لعالم الدنيا فتتجسم كافة حقائق هذا العالم بما يناسبها هناك. والذين لم يستعملوا عقولهم ولم يشاهدوا بعين البصيرة، يحشرون يوم القيامة عمياناً. يقول الإمام العسكري عليه السلام: "... فَاَتَّم الله عليك يا إسحاق وعلى من كان مثلك ممن قد رحمه الله وبصَّره بصيرتك نعمته... فالعم يقيناً يا إسحاق أنه من خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً، يا إسحاق ليس تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وذلك قول الله في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذ يقول "9: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾10.
* مجلة مبلغان
1- سورة البقرة، الآية: 164.
2- سورة آل عمران، الآيتان: 190 ـ 191.
3- سورة يونس، الآية: 24.
4- تحف العقول، ص516، الحديث 4.
5- تحف العقول، ص518، الحديث 13؛ وسائل الشيعة، ج11، ص153؛ أصول الكافي، ج2، ص55؛ بحار الأنوار، ج71، ص322.
6- تحف العقول، ص519، الحديث 21.
7- بحار الأنوار، ج8، ص115، والحكم الزاهرة، ج1، ص19.
8- المصدر نفسه، غرر الحكم، ص665.
9- تحف العقول، ص513 و514.
10- سورة طه، الآية: 126.