مواجهة الصوفية
يقول محمد بن أبي الخطاب: جلست مع مجموعة من أصحاب الإمام الهادي عليه السلام في
مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم نستمع إليه، فدخل جماعة من الصوفية وتحلقوا حول
بعضهم البعض وبدأوا يرددون "لا إله إلا الله". توجه الإمام الهادي عليه السلام
إلينا وقال: "لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخداعين، فإنهم خلفاء الشياطين ومخربوا قواعد
الدين يتزهدون لراحة الأجسام ويتهجدون لتعبيد الأنعام" ثم قال: "فمن ذهب إلى زيارة
أحد منهم حياً وميتاً فكأنما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبدة الأوثان".
في هذه الأثناء وبعد أن تحدث الإمام بعباراته المتقدمة نهض أحد الأشخاص الشيعة
وخاطب الإمام عليه السلام قائلاً: "حتى لو كان معتقداً ومعترفاً بإمامتكم وحقوقكم؟".
هنا ظهر غضب الإمام عليه السلام وطلب منه ترك هذه الأفكار غير الصحيحة لأن من قَبِلَ
إمامتنا فلا يتصرف خلاف ما نرضى ثم قال: "والصوفية كلهم من مخالفينا وطريقتهم
مغايرة لطريقتنا وإن هم إلا نصارى ومجوس هذه الأمة أولئك الذين يجهدون في اطفاء نور
الله والله يتم نوره ولو كره الكافرون"1.
الإمام الهادي عليه السلام والواقفية
الواقفية مجموعة منحرفة أخذت على عاتقها مواجهة الأئمة المعصومين. كان أفراد هذه
المجموعة يعتقدون بأن الإمام الكاظم عليه السلام حي، وهو الإمام الأخير والمهدي
الموعود. أما الإمام الهادي عليه السلام فكان قاطعاً في مواجهة الواقفية. كتب أحد
أصحاب الإمام عليه السلام إليه يسأله عن الواقفية وإن كان يجوز لعنهم أثناء القنوت
في الصلاة، فكتب الإمام عليه السلام إليه: "نعم، أقنت عليهم في صلاتك"2.
إحياء ثقافة الغدير والإمامة
يعتبر نشر معارف الأئمة عليهم السلام وثقافة أهل البيت عليهم السلام من جملة
الأساليب التي نشاهدها في سيرة الإمام الهادي عليه السلام. وعندما أحضر المعتصم
العباسي الإمام الهادي عليه السلام في يوم الغدير، بدأ الإمام عليه السلام وفي تلك
الظروف الحساسة بقراءة زيارة جده أمير المؤمنين علي عليه السلام ذاكراً فضائله
ومناقبه المقتبسة من آيات القرآن الكريم ثم عَرّج على حادثة الغدير التي تحدث في
قسم منها متوجهاً إلى جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: "أشهد يا أمير
المؤمنين أن الشاك فيك ما آمن بالرسول الأمين وأن العادل بك غيرك عائد عن الدين
القويم الذي ارتضاه لنا رب العالمين وأكمله بولايتك يوم الغدير وأشهد أنك المعنى
بقول العزيز الرحيم وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوا السبل"3.
الزيارة الجامعة أو منشور الإمامة
قدم الإمام الهادي عليه السلام بالإضافة إلى الزيارة المخصصة بالغدير الزيارة "الجامعة
الكبيرة" التي تعتبر مجموعة ودورة كاملة وجامعة في التعرف على الإمامة.يقول العلامة
المجلسي حول هذه الزيارة أنها "أصح الزيارات سنداً وأعمها مورداً وأفصحها لفظاً
وأبلغها معنىً وأعلاها شأناً"4.
الاستفادة من الموقف
عندما حاول البعض التعرض للإمام عليه السلام أمام المتوكل العباسي واتهموه بجمع
السلاح في منزله وأنه ينوي القيام مع شيعته ضد السلطة، أرسل المتوكل مجموعة إلى
منزل
الإمام عليه السلام حيث هجموا ليلاً وفتشوا المنزل إلا أنهم لم يحصلوا على شيء،
ووجدوا الإمام عليه السلام جالساً على الأرض في إحدى الغرف يشتغل بذكر الله وعبادته،
فاعتقلوه واحضروه إلى المتوكل واخبروا المتوكل بأنهم لم يجدوا شيئاً فيه بل وجدوا
الإمام متوجهاً إلى القبلة يتلو القرآن. وقع نظر المتوكل على الإمام فكان لا بد له
من احترامه لما كان يتمتع به من هيبة، ثم قدم له كأساً كان بيده فرفضه الإمام عليه
السلام لأن لحمه ودمه لم يختلط بهذه الأمور. ثم طلب منه المتوكل أن يقرأ الشعر،
فرفض الإمام عليه السلام بداية لأنه ليس بشاعر، ولكن المتوكل أصر عليه، لذلك نهض
الإمام عليه السلام وكان المجلس غاصّاً بالحضور وقرأ الأبيات الآتية:
بَاتوا على قُلَلِ الأجبالِ تَحرُسهم
غُلْبُ الرِّجال فلم تنفعهُمُ العُلَلُ
واستُنْزلُوا بعد عزٍّ عن معاقِلهم
وأُسكِنُوا حُفَراً يا بئس ما نَزلوا
نَادَاهُمُ صَارخٌ من بعدِ دَفنِهِم
أين الأسِرَّةُ والتيجانُ والحُلَلُ
أينَ الوجوهُ التي كانت مُنعَّمةً
من دونها تُضرَبُ الأستارُ والكُلَلُ
فأفصَحَ القبرُ عنهم حينَ سَآئلَهُم
تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ يَقتتِلُ
قدْ طالَ ما أَكلوا دَهراً ومَا شَربوا
وأَصبحوا بعدَ طُولِ الأَكْلِ قَدْ أُكِلوا5
1- سفينة البحار، ج2، ص58 والطبعة الجديدة، ج5، ص199 ـ 200.
2- بحار الأنوار، ج82، ص203؛ رجال الكشي، ص391.
3- هدية الزائرين، ص176
4- بحار الأنوار، ج99، ص144.
5- المصدر نفسه، ج50، ص211 و212