أقوال العلماء في معنى الصراط: قال الشيخ الصدوق(رض): اعتقادنا في الصراط أنه حق،
وأنه جسر جهنم، وأنّ عليه ممرَّ جميع الخلق، قال الله عز وجل:
﴿وإن منكم إلا
واردها كان على ربك حتما مقضي﴾. والصراط في وجه آخر اسمُ حُجَج الله تعالى،
فمن عَرفهم في الدنيا و أطاعهم أعطاه الله جوازاً على الصراط الذي هو جسر جهنم يوم
القيامة"، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام:"يا علي! إذا كان
يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرائيل على الصراط فلا يجوز على الصراط إلا من كانت
معه براءة بولايتك".
قال الشيخ المفيد رحمه الله في شرح كلام الصدوق رحمه الله: "الصراط في اللغة هو
الطريق، فلذلك سُمَّي الدين صراطاً لأنه طريق إلى الثواب، وله سُميَّ الولاء لأمير
المؤمنين والأئمة من ذريته صراطاً، ومن معناه قال أمير المؤمنين عليه السلام:"أنا
صراط الله المستقيم وعروته الوثقى التي لا انفصام لها". يعني أن معرفته والتمسك به
طريق إلى الله سبحانه، وقد جاء الخبر بأن الطريق يوم القيامة إلى الجنة كالجسر تمرُّ
به الناس، وهو الصراط الذي يقف عن يمينه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن
شماله أمير المؤمنين عليه السلام، ويأتيهما النداء من الله تعالى:
﴿ألقيا في جهنم كلّ كفَّار عنيد﴾. وجاء الخبر
أنه لا يعبر الصراط يوم القيامة إلا من كان معه براءة من علي بن أبي طالب عليه
السلام من النار، وجاء الخبر بأن الصراط أدقُّ من الشَّعرة، وأحدُّ من السيف على
الكافر، والمراد بذلك أنه لا يثبت لكافر قدم على الصراط يوم القيامة من شدة ما
يلحقهم من أهوال القيامة ومخاوفها، فهم يمشون عليه كالذي يمشي على الشيء الذي هو
أدقّ من الشعرة وأَحدّ من السيف، وهذا مثلٌ مضروب لما يَلحق الكافر من الشدّة في
عبوره على الصراط، وهو طريق إلى الجنة وطريق إلى النار، يسير العبد منه إلى الجنة
ويرى من أهوال النار. وقد يعبر به عن الطريق المِعوج، فلهذا قال الله تعالى:﴿وأن
هذا صراطي مستقيم﴾، فميّز بين طريقه الذي دعا إلى سلوكه من الدين وبين طرق الضلال.
و قال تعالى فيما أمر عباده من الدعاء وتلاوة القرآن:"إهدنا الصراط المستقيم"، فدلَّ
على أن سواه صراط غير مستقيم، وصراط الله دين الله، وصراط الشيطان طريق العصيان،
والصراط في الأصل على ما بيناه هو الطريق، والصراط يوم القيامة هو الطريق للسلوك
إلى الجنة والنار على ما قدمناه.
قال العلامة المجلسي رحمه الله - بعد نقل الكلام المذكور -:أقول:"لا اضطرار في
تأويل كونه أدقّ من الشعرة وأحدّ من السيف وتأويل الظواهر الكثيرة بلا ضرورة غير
جائز، وسنورد كثيراً من أخبار هذا الباب في باب أن أمير المؤمنين عليه السلام قسيم
الجنة والنار.
قال العلامة الفيض رحمه الله:"الصراط هو الطريق إلى معرفة الله عزّ وجل، قال الله
سبحانه: ﴿وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السماوات و ما في
الأرض﴾". وقد عرفت أن معرفة الله عزّ وجلّ إنما تحصل بالعلم والعمل شيئاً فشيئاً
بحسب الاستكمالات العقلية بمتابعة السنن النبوية، والاهتداء بهداه صلى الله عليه
وآله وسلم، فالصراط - بهذا المعنى - عبارة عن العلوم الحقّة والأعمال الصالحة،
وبالجملة ما يشتمل عليه الشرع الأنور، ولما تلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
﴿ان
هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾. خطَّ خطاً، وعن
جنبيه خطوطاً، فالمستقيم هو صراط التوحيد الذي سلكه جميع الأنبياء وأتباعهم،
والمعوجة هي طرق أهل الضلال. ومن وجه آخر: الصراط عبارة عن العالم العامل الهادي
إلى الله عز وجل على بصيرة، وبالجملة، الأنبياء والأوصياء عليهم السلام فإن نفوسهم
المقدسة طرق إلى الله سبحانه، ومن هنا قال مولانا الصادق عليه السلام: "الصراط
المستقيم أمير المؤمنين عليه السلام ، وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:"أنا
الصراط الممدود بين الجنة والنار، وأنا الميزان"، فالصراط والميزان متحدان في
المعنى بكلى معنييهما، وإنما يختلفان بالاعتبار.
* الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام للرحماني الهمداني