ب- العدالة وخشية الله
عندما يكون الكلام لأجل الله تعالى، عند ذلك يكون هذا الدافع الإلهي مؤثراً في
كيفية أداء العبارات والكلمات وكذلك في مقدار التأثير. ﴿وَيَخْشَوْنَهُ﴾ هؤلاء
المبلغون لا يزيدون ولا ينقصون شيئاً من الرسالة الإلهية، بل يتلفظون بالواقع.
وخشية الله عبارة عن العدالة، والعدالة هي حالة الخوف من الله تعالى التي يتمكن
الإنسان بواسطتها من عدم ارتكاب الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة.
ج- الشهامة في قول الحق
لا تخافوا من الآخرين. ولا تقولوا: إذا تلفظت بهذه الكلمة فسينقطع رزقي. طبعاً يجب
الالتفات إلى أن قوله تعالى: ﴿وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ﴾ لا يعني عدم
الأخذ بعين الاعتبار ظروف المنطقة التي تذهبون إليها. فالرسول الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم- عندما كان يرسل الأشخاص إلى مناطق متعددة كان يرسل الشخص إلى المنطقة
التي يعرفها، لأن المعرفة بظروف المنطقة يساهم في حسن إيصال رسالة رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم . ولا تظنوا بأن هذه الآية تدل على إمكان الحديث بكل شيء في
جميع الأماكن.
أما العاقل هو الذي يدرك الظروف المحيطة، ينبغي أن يدرك المبلغ استعداد الناس
واستعداد البيئة المحيطة والظروف الأخرى الحاكمة على المنطقة. هناك بعض المسائل
التي لا يمكن الحديث بها في جميع الأماكن، فرسالة الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم-
إلى مكة كان يختلف عنه إلى المدينة. في مكة كان يقول:
﴿لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ ولكنه عندما يصل إلى المدينة، كان يقول: «قاتلوا المنافقين
والمشركين» على أساس أن الخطاب والموقف كان يختلف على مستوى الظروف. عندما يطالع
المبلغ مجموع الآيات التي نزلت في مكة والمدينة سيجد الفارق الموجود في منطق الرسول-
صلى الله عليه وآله وسلم- من حيث الشدة والرخاوة. كان يتحدث في مكة بأسلوب معين وفي
المدينة بأسلوب آخر.
الموقف في مكة هو موقف من كان في طور التأسيس لدعوة اسلامية ما زالت في مرحلة
الفتوة، لذلك كان الخطاب يغلب عليه طابع النصيحة، إلا أن الموقف في المدينة كان
موقف من تخطى رحلة التأسيس إلى الاستعداد والجهوزية، لذلك كان الغالب على الخطاب
طابع القوة. إذا ذهبتم إلى منطقة يعبدون فيها العجل، فعليكم الحديث حول إثبات الله
تعالى واثبات التوحيد بما لا يلحق بك الأذى من قبل الجيران.
ينبغي أن يدرك المبلغ الظروف المحيطة،
وينبغي أن يكون واعياً ثم يتحدث طبقاً للظروف. والمقصود أن ندخل الحلبة بشكل عاقل
لنصل إلى النتيجة المطلوبة.
د- الحساب
جاء في نهاية الآية الشريفة: ﴿وَكَفَى بِاللهِ حَسِيباً﴾. الله تعالى هو الحسيب
الذي ينبغي أن يلتفت المبلغ إليه. فهل ما يصدر عن المبلغ يقع في مصلحة الإسلام أم
في ضرره؟ عندما يقول الله تعالى ﴿وَكَفَى بِاللهِ حَسِيباً﴾ فهذا يعني أن هناك
مسؤولية ثقيلة تقع على عاتق المبلغ.
* مجلة مبلغان