محبة وعشق العمل التبليغي
جاء في القرآن الكريم: ﴿ طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾(1).
كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحمل همَّ الدين والحق،ويتألم عندما يرى أنَّ
الحقّ غير مقبول. وقد وصل الأمر إلى مستوى أن خاطب الله تعالى نبيه: ﴿ فَلَعَلَّكَ
بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ
أَسَفًا ﴾(2). القرآن الكريم يخاطب الرسولَ صلى الله عليه وآله وسلم بأنك هل ترغب
أن تصل إلى حافة الموت إذا لم يؤمنوا؟،وتحدَّث القرآن الكريم حول اهتمام وعشق
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لتبليغ الدين: ﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ
أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ
رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾(3).
إذا كان مقرّراً أن تكونوا مبلّغي دين، عليكم أن تشاهدوا حتى في منامكم ما هو
المفيد للمنطقة التي ستبلغون فيها، هذا هو العشق للعمل،هناك الكثير من أئمة الجمعة
والمبلّغين الذين يرددون دائماً: لقد تأخرنا عن الدرس والتحصيل وعلينا الذهاب. هذا
الأمر يؤدي إلى ابتعاد الناس ويأسهم وإلى يأس المبلّغ نفسه.
سعة الصدر والتحمّل
بمجرد أن أصبح موسى عليه السلام نبياً، قال: ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾(4).
يقول الله تعالى حول إعطاء هذه الموهبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ أَلَمْ
نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾(5).
يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "آلة الرئاسة سعة الصدر"(6) ماذا يعني سعة
الصدر؟ هل يعني ذلك التساهل والتسامح؟ هل يعني السكوت مقابل إهانة الدين؟ لا، ليس
الأمر كذلك على الإطلاق. لم يسكت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مقابل المعصية.
سعة الصدر تعني تحمّل الأذواق والسلائق والأفكار المختلفة.
لا يوجد أي مبلّغ دين ليس له من يعارضه، سواء كانت المعارضة في التبليغ، أو في
التدريس والتأليف والإدارة. ومن ليس له معارض، ليس له دور مؤثر، إذ الدور المؤثر
يقتضي وجود المعارضة. طبعاً قد تكون المعارضة تقوم على الحقّ وقد لا تكون على ذلك،
والسلاح الفعّال هنا، هو التحمّل واعتبار الأنبياء والأئمة قدوة. ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا
صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾(7).
انظروا كيف تصرّف معارضو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكيف تصرّف هو معهم؛ أعطى
اللواء لسعد، ورفع سعد اللواء وقال: "اليوم يوم الملحمة". عندما سمع الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم هذا الكلام، أرسل علياً عليه السلام الذي أخذ اللواء من يده
ونادى: "اليوم يوم المرحمة،إذهبوا فأنتم الطلقاء".
ويمكن مشاهدة هذا السلوك في شخصية الإمام علي عليه السلام في حرب الجمل حيث أرسل
محمد بن أبي بكر مع أخته عائشة ليعيدها إلى بيتها. انتهت الحرب، فأمر الإمام علي
عليه السلام عشرين من النساء إرتداء لباس الرجال ووضع النقاب على وجوههنّ، وطلب
إليهن مرافقة عائشة إلى المدينة. وصل الموكب إلى المدينة، فنزعت النسوة لباسَ
الرجال. عند ذلك أصبحت تردد أن أكثر الرجال محبوبيّة هو علي عليه السلام.
* مجلة مبلغان
(1) سور طه، الآيتان: 1 ـ 2.
(2) سورة الكهف، الآية: 6.
(3) سورة التوبة، الآية: 128.
(4) سورة طه، الآية: 25.
(5) سورة الانشراح، الآية: 1.
(6) خصائص الأئمة (عليهم السلام)، ص110.
(7) سورة الأحقاف، الآية: 35.