أ- قال الإمام الصادق عليه السلام: "لفاطمة تسعة أسماء عند الله عز وجل: فاطمة
والصدِّيقة والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية والمرضية، والمحدَّثة، والزهراء...".(1)
ب- قال رسول الله لفاطمة عليها السلام: "إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك".(2)
ج- وقال صلى الله عليه وآله وسلم وهو آخذ بيدها: "من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم
يعرفها، فهي بضعة مني، هي قلبي وروحي التي بين جنبيَّ، فمن آذاها فقد آذاني".(3)
د- وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما
آذاها".(4)
هـ- وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني".(5)
ولكن رغم ذلك -رغم كل هذه التوصيات وسواها- فإن الزهراء عليها السلام ترى وتسمع
وتعاين الظلم تلو الظلم من كثير من المسلمين عليها وعلى زوجها الإمام علي عليه
السلام، وتخبر بما سيحصل على أولادها من بعدها، ويكفيها خبر الإمام الحسين عليه
السلام وأهل بيته وأصحابه المظلومين العطاشى مقطعي الأوصال والرؤوس... ولتأكيد
ظلامتها أرادت توصيل رسالة حق خالدة تشهد على ما جرى بعد وفاة أبيها فأوصت أن تدفن
سراً ولا يحضر ظالموها دفنها ليكون قبرها المجهول علامة دائمة على الحق المغتصب
وعلى الظلم الواقع.
حب لقاء الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم
لذلك لما أخبرها أبوها أنها أول أهله لحوقاً به فرحت، عن إحدى زوجات النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم فقال: مرحباً بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أنه أسرَّ إليها
حديثاً فبكت، ثم أسرَّ إليها حديثاً فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن،
فسألتها عما قال: فقالت: ما كنت لأُفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى
إذا قُبض النبي سألتها؟ فقالت: إنه أسرَّ إليّ فقال: إن جبرائيل كان يعارضني
بالقرآن في كل عام مرة، وإنه عارضني به العام مرتين ولا أراه إلاّ قد حضر أجلي،
وأنك أول أهلي لحوقاً بي ونعم السلف أنا لكِ، فبكيت لذلك، ثم قال: ألا ترضين أن
تكوني سيدة نساء هذه الأُمة أو نساء المؤمنين؟ قالت: فضحكتُ.(6)
لقد كان حزن الزهراء عليه السلام لفقد أبيها عظيماً، فهي التي عرفت الله ورسوله
وعلى قدر المعرفة تشيج المشاعر، وهي التي رثته بكلمات يتفطر منها الحجر الصلب، ومما
رثته: "يا أبتاه، انقطعت بك الدنيا بأنوارها، وذوتْ زهرتها وكانت ببهجتك زاهرة.يا
أبتاه! لا زلت آسفة عليك إلى التلاق.يا أبتاه! زال غمضي منذ حقَّ الفراق.يا أبتاه!
مَن للأرامل والمساكين؟ومَن للأمة إلى يوم الدين؟يا أبتاه! أمسينا بعدك من
المستضعفين!يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك!!فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلاً عليك....
قلَّ صبري وبان عني عزائي***بعد فقدي لخاتم الأنبياء
عين يا عين اسكبي الدمع سحاً***ويك لا تبخلي بفيض الدماء
يا رسول الإله يا خيرة الله***وكهف الأيتام والضعفاء
يا إلهي عجّل وفاتي سريعاً***(فلقد عِفْتُ الحياة يا مولائي)
وأخذت فاطمة الزهراء عليها السلام شيئاً من تراب قبر أبيها رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وجعلت تشمّه وهي تقول:
ماذا على من شمّ تربة أحمد***إن لا يشمّ مدى الزمان
غواليا
قل للمغيّب تحت أطباق الثرى***إن كنت تسمع صرختي وندائيا
صُبَّت عليَّ مصائب لو أنها***صُبَّت على الأيام صرن لياليا
وهكذا رحلت سيدتنا الزهراء عليه السلام بعد شهور من وفاة أبيها رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم إلى الحبيب الأول الله تعالى والى أبيها الذي أخبرها بسرعة اللحاق
به وهو الصادق الأمين، وطلبت من اللّه تعالى الرحيل إليه والى أبيها "وَمَا عِنْدَ
اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى". اللهم أصلح لي ديني فإنه عصمة أمري، وأصلح لي آخرتي
فإنها دار مقري، وإليها من مجاورة اللئام مفري، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير،
والوفاة راحة لي من كل شر.
(1) بحار الأنوار: ج10.
(2) مستدرك الحاكم:ج3 ص154، تذكرة السبط 175 مقتل الخوارزمي ج1 ص52، كفاية الطالب
ص219، كنز العمال ج7 ص111، الصواعق ص105، وغيرها.
(3) الفصول المهمة 150، نزهة المجالس ج2 ص228، نور الأبصار ص45.
(4) صحاح البخاري ومسلم والترمذي، مسند أحمد ج4 ص328، الخصائص للنسائي ص35.
(5) صحيح البخاري، خصائص النسائي ص35.
(6) مسند أحمد ج6 ص282.