من إرشادات العلّامة القزويني: أَزِلْ
عن صفحةِ القلب، الضِّيقَ والسَّخَطَ من الأقدار
العلّامة السيّد حسين بن محمّد بن إبراهيم الحسيني القزويني رحمه الله (1126- 1208
هـ)، أحدُ أعيان مجتهدي الإمامية. من شيوخ آية الله السيّد محمّد مهدي بحر العلوم
في الرواية. برعَ في الفقه وألّف فيه وفي علومٍ شتّى كالعقائد والأخلاق وعلم الرجال.
من ارشاداته:
بسم الله الرّحمن الرّحيم، بعد الحمد والصّلاة على النبيّ والآل..
هذه كلمات عدّة مُسطّرة بقلم أقلّ العباد حسين بن محمّد بن إبراهيم الحسيني، في
خلاصة النصائح، والتهذيب الأخلاقي، بناءً على التماس الإخوة في الدين، جعلَ جنابُ
الأحديّة التوفيق رفيقَ الجميع.
اعلم أنّ دفع صفات النفاق، وتحصيلَ فضائل الأخلاق، من جملة الفروض العينيّة على
جميع المُكلّفين، والتّهاوُن والتغافُل في الرياضة والتخلّق بمكارم الصفات وفضائل
النعوت، منشأٌ لتضييع القابليّة، وباعثٌ للخروج من الكرامة الإنسانيّة، ويُلحِقُ
النفس بالبهائم، فإنّ قوله تعالى:
﴿..إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ
أَضَلُّ سَبِيلً﴾ الفرقان:44، شاهدُ صدقٍ على هذا المدّعى.
فعلى طالب الحقّ، بعد تحصيل الاعتقاد بالمبدأ وتحصيل اليقين، أن يتمتّع في أيّام
مهلة الحياة بالكُتب الدراسيّة الموافقة للشريعة الغرّاء لسيّد المرسلين صلّى الله
عليه وآله وسلّم، وأن يجعلَ أحوالَ ذلك النبيّ العظيم شعارَه، وأن يُوصل نفسه
تدريجيّاً من حضيض النُّقصان إلى أوج الكمال، بحَولِ وقوّةِ الملك الغفّار تعالى
شأنه.
فعلى سبيل التنبيه، نشير إلى عددٍ من رؤوس الفضائل:
الأوّل: تحصيلُ التقوى، والتورّع في جميع أنواع الفعل والترك، وأن يجعل فضيلة
التّقوى شعارَه في السرّ والعلن، ولا يَضَعْ قدمه خارج حدود الشريعة الغرّاء. ومع
عروض الإثم والمعصية يتدارك ذلك سريعاً بالاستغفار، والتوبة، والإنابة، والندامة.
الثاني: دَوامُ ذِكر الحقّ بالقلب واللسان، بحيث لا يغفل عنه لحظة، وأن يعتبر الوقت
غنيمة، فكلّ ساعةٍ جوهرة ثمينة لا توازيها الدنيا وما فيها.
الثالث: التوكّل، وتسليم الأمور للوليّ الحقيقي، ولا يعتمد بأيّ حالٍ على رأيه
وتدبيره، وأن يتوكّل على الذات التي لا تزول، وأن يرضى بما قدّره له المُنعم
الحقيقي، وأن لا يتّهم الله المتعال في القضاء، وأن يُزيل الضِّيق والسخط من
الأقدار عن صفحة القلب.
الرابع: التمسّك بجميع شرائع الدين المُبين، وسُنّة سيِّد المرسلين السَّنِيَّة،
والأخذ بها من علماء الدين الوَرِعين المتّقين، فإنّ الأخذ بالبِدَع والأهواء سببُ
الهلاك، وأن يبذل السعي الكبير بقدر الجهد، والطاقة، والفراغ، والصحّة، في الليل
والنهار في مرغوبات النوافل ومندوبات الفضائل. وأن يحذر من ندامة تضييع العمر
الثمين يوم العرض الأكبر. وأن يحفظ لسانه من اللغو، والكلام غير المفيد، خصوصاً
الفُحش، والكذب، والغِيبة، والنميمة. وأن يحذر من استماع وسماع المنهيّات، والأمور
غير المفيدة الدينيّة والدنيويّة.
الخامس: الاقتصاد في المعيشة بقدر البُلْغة من الحلال، وضبط النفس عن الاشتغال
بفضول العيش. والاستغناءُ عن جميع الناس في القليل والكثير؛ فالاحتياج إلى الناس
مَذلّة حاضرة.
السادس: إنّ دوامَ ذكر الموت، والاستعداد للنزول إلى القبر فرضٌ يجب أن يبقى نُصْبَ
العين، فالغفلةُ عن الموت سببُ وَبال الدنيا والآخرة. ويجب تهيئةُ لوازم سفر الآخرة
من الوصيّة، وتجهيز الكفن. فمع ترك الاستعداد، يكون الموت فجأة، مهما طال العمر.
السابع: دوام محاسبة النفس كلّ صباحٍ ومساء؛ فإذا وجد في أعماله خيراً، حمد الله
وشكرَه، وإذا رأى في أعماله شرّاً وسوءاً، استعجل في التوبة والإنابة، وطهّر صفحة
القلب بماء الحسرة والندامة، وحرّر نفسه النفيسة من تلك الدنيّة بالأعمال الحسنة.
الثامن: مداومةُ الاستغفار، وطلب العفو في ساعات الليل والنهار، خصوصاً في الأعصار
والأسحار.
التاسع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحسب المقدور، ومع آدابه وشرائطه، وإذا
لم يكن إظهار الحقّ مُمكناً، فعلى الأقل أن يستقبح في قلبه أحوالهم وأعمالهم، ولا
يُداهنهم أبداً.
العاشر: مُساعدة الإخوة في الدين في الأمور الخيريّة وإعانتهم، والاهتمام بقضاء
حوائجهم، خصوصاً الذرّيّة الطيّبة لصاحب الرِّفعة وخيرِ البريّة صلّى الله عليه
وآله وسلّم، والسلالة العلويّة الفاطميّة.
الحادي عشر: تعظيمُ الأوامر الإلهيّة، وتعظيمُ علماء الدين وتكريمُهم، فهو منشأٌ
لصلاح الدنيا ونجاة العُقبى.
الثاني عشر: الصبر في جميع المواطن، والرضا بالأقدار موجِبٌ لراحة الدارَيْن، ويجب
عدم تمنّي ورجاء ما لا يُعرف عاقبته أبداً، والدعاء دائماً لتعجيل فرج آل محمّد
صلّى الله عليه وآله.
الثالث عشر: الاشتغال بممارسة العلوم الدينيّة النافعة في سلوك سبيل الآخرة،
وطلبُها من أهلها.
الرابع عشر: الإخلاص في جميع الأعمال، وعدم النظر إلى أيّ معيار غير الحقّ؛ فالرياءُ
– نعوذ بالله – شِركٌ، واجتنابه واجب.
الخامس عشر: السعي في صِلة الأرحام، والإحسان إليهم، وخصوصاً الوالدَين اللذَين لا
تُحصى حقوقهما، وإنّ عقوقَهما موجبٌ للخسران والوبال، سواءً في الحياة، أو في
الممات.
السادس عشر: زيارة الإخوة في الدين، والمذاكرة معهم في أمور الدين والآخرة، فمن
المذاكرة معهم يحصل الاستعداد التامّ وزاد سفر العُقبى المليء بالخطر.
السابع عشر: عدم التوسّع في المُباحات، وعدم إجبار النفس، بل يجب الاقتصاد، والوسط
في السلوك.
الثامن عشر: معاشرة أهل الدنيا بالمداراة، وبمستوى فَهمِهم، وطاقة عقلهم، والإعراض
عن ما يُنكرونه من المعارف ولا يُدركونه بشكلٍ صحيحٍ بعقلهم الناقص. ومزاولة حُسن
الخلُق، وكَظْم الغيظ، والتواضع، والابتعاد عن الكِبر، والعُجب.
التاسع عشر: تحصيل الخوف والرجاء، وأن يحافظ على هاتَيْن الحالتَيْن معاً في نفس
الوقت؛ فاليأسُ والأمنُ كلاهما منشأٌ لمآثم لا تُعَدّ، إلّا عند وقت الاحتضار الذي
تخرج فيه نفس المرء من يده، فيجب أن يكون رجاءُ الرحمة غالباً عليه.
العشرون: تحصيل عفّة النفس بالجود، والسخاء، والثبات، والطمأنينة، ومواساة الإخوان،
ومسامحتُهم. إنّ التّأمّل في دقائق هذا المسطور، ورياضة النفس مع المداومة، يُثمر
السعادة، وارتفاع الشقاوة.
عصمَنا الله وإخواننا المؤمنين عن هواجس الشيطان اللعين، وجعلنا في يوم الدين في مقام الآمنين، آمينَ ربَّ العالمين.