يمكن دراسة الحياة القيمة للرسول الأكرم (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) من جوانب متعددة. ويعتبر الأسلوب التبليغي للمعصومين (عليهم السلام) واحد من الأبعاد التي امتازت بها حياتهم فكانوا أسوة وقدوة فيه أيضاً.
عندما نطالع حياة هؤلاء العظماء من هذه الزاوية، نضع أنفسنا أمام مسؤولية ثقيلة؛
لأن أولئك العظماء لم يغفلوا لحظة واحدة عن العمل بالتكليف وابلاغ رسالة الله تعالى.
أما فيما يتعلق بالسيرة التبليغية للإمام الجواد (عليه السلام) فيمكننا الوقوف عند
النقاط الهامة الآتية:
1- التبليغ عن طريق المناظرة
تعتبر المناظرة من أبرز الأساليب التي اعتمد عليها الإمام (عليه السلام) في
التبليغ وقد ساهمت مناظراته التي بدأت منذ الأيام الأولى لإمامته في تثبيت موقع
الولاية والإمامة، وهداية طالبي الحق واظهار ضعف مدعيات الظالمين. وقد تحرك الإمام
على بعدين في مناظراته العلمية.
الأول حاجة الشيعة الذين كانوا يبحثون عن الإمام (عليه السلام) حيث كان الإمام (عليه
السلام) ما يزال في عمر صغير وذلك بغية اكتشاف موقعه المعنوي والثاني مواجهة ما كان
يسعى إليه المأمون والمعتصم اللذين أرادا اذلال الإمام واثبات عدم إمامته.
عمل الخلفاء عن قصد على إقامة مجالس المناظرة لوضع الأئمة (عليهم السلام) أمام
المفكرين المشهورين لعلهم يتمكنون من اظهار عجز الأئمة (عليهم السلام) وهذا سيؤدي
بدوره إلى إضعاف موقعهم.
أهداف الإمام (عليه السلام) في المناظرات
ألف- إثبات إمامته
أراد الإمام (عليه السلام) في المناظرات اثبات حقانيته. ويؤكد المؤرخون أن
الإمام (عليه السلام) أجاب على ثلاثين سؤالاً في إحدى المناظرات وكان عمره لا
يتجاوز السبع سنوات[1].
ب- اظهار فشل وضعف الكاذبين
كان الإمام (عليه السلام) يعمل في مناظراته على اظهار عدم صحة الفضائل المصطنعة
التي اتصف بها الخلفاء.
في أحد المجالس طلب المأمون من يحيى بن أكثم طرح سؤال. بدأ يحيى الكلام فقال: يا بن
رسول الله (ص) تفيد الروايات أن جبرائيل تحدث مع رسول الله (ص) فقال له: يا محمد،
الله تبارك وتعالى يُقرئك السلام ويقول: اسأل أبا بكر هل هو راض عني؟ فأنا راضٍ عنه،
فماذا تقول في ذلك؟
فأجاب الإمام (عليه السلام) بأنه لا ينكر فضل أبي بكر وأشار إلى أن صاحب هذا الحديث
يجب أن يلتفت إلى حديث الرسول (ص) في حجة الوداع حيث قال: «لقد كثرت الكذابة عَلَيَّ...».
وأكد الإمام على ضرورة عرض الروايات والأحاديث على كتاب الله وبالتالي قبول ما
وافقه وترك ما خالفه. يقول الله تعالى:
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ
مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾[2].
2- التبليغ العملي ضد حكومة المأمون
كان المأمون يحترم الإمام (عليه السلام) وتزوج ابنته أم الفضل رغم ما أبداه من
مخالفة. كل هذه الأمور لم تجعل الإمام (عليه السلام) يتقرب من السلطة أو يقتنع
بعملها. بل كان يعتبر الخليفة إنساناً ظالماً. لذلك سافر إلى المدينة وأقام فيها
مبتعداً عن مركز السلطة والخلافة.
دخل حسين المكاري على الإمام الجواد (عليه السلام) أيام إقامته في بغداد، فنظر إلى
ما فيه الإمام من النعمة والخدم والحشم، وما عليه من المأكل والملبس، فأخذ يحدث
نفسه بأحاديث فنظر إليه الإمام (عليه السلام) بعد اطراقة صغيرة، وقد اصفر لونه فقال
له: يا حسين، خبز شعير وملح جريش في حرم رسول الله (ص) أحب إليَّ مما تراني فيه[3].
3- تأسيس الحوزة العلمية
عمل الإمام (عليه السلام) أيضاً على تربية طلاب ماهرين. ويقال أن ما يقرب من
مائتي وسبعين طالباً كانوا يدرسون في حوزة الإمام (عليه السلام) والبعض منهم كانوا
من تلامذة الإمام الثامن (عليه السلام)[4].
4- ارسال الممثلين
كان الإمام (عليه السلام) يرسل الرسل والممثلين عنه إلى كافة المناطق لمحاربة
الدعايات التي كان يبثها خلفاء بني العباس وقد عملوا في مناطق مختلفة أمثال الأهواز،
همدان، الري، البصرة، واسط، بغداد، الكوفة وقم على توعية الشيعة وربطهم بالإمام
المعصوم (عليه السلام).
وقد أجاز الإمام (عليه السلام) لاتباعه النفوذ إلى الجهاز الحكومي وهنا سنجد أسماء
متعددة من أبرزها «محمد بن إسماعيل بن بزيع» و«أحمد بن حمزة القمي» فكانوا خدماً
للدين والمتدينين من هذا الموقع.
وأصبح «الحسين بن عبد الله النيشابوري» حاكماً على سيستان. و«الحكم بن عليا الأسدي»
حاكماً على البحرين وهما من أتباع الإمام (عليه السلام)[5].
[1] منتهى الآمال،
الشيخ عباس القمي، انتشارات هجرت، ج2، ص577.
[2] سورة ق، الآية: 16.
[3] منتهى الآمال، ص582.
[4] الإمام الجواد من المهد إلى اللحد، السيد محمد كاظم القزويني، ص89.
[5] سيرة الأئمة، مهدي بيشوائي، ص559.