ذكرنا سابقاً انّ من يروم التعرّف على شيء من طبيعة التبليغ الاسلامي وضروراته وما
يلزمه من مناهج ينبغي له ان يستظلّ بما رسمته له النصوص الاسلامية في هذا المجال
وذلك لما عهد فيها من واقعية محيطة بدقائق الرسالة التي تعنيها وبالطبيعة الانسانية
التي تخاطبه الى مقتضيات الحياة في تجددها المستمر والى المدى الابدي المعجز الذي
شملته في بيانها. فالتبليغ الاسلامي وبهذه المادة (ب ل غ) في اشتقاقاتها المختلفة –
موضوع تطرق له القرآن الكريم في العديد من اياته الكريمة وحدد ابعاده وبيّن كثيراً
من صُوَره وخصائصه ووضعه في الأجواء العامة التي يتحقق من خلالها وأشار الى شيء مما
يواكبه من عوامل وظروف. لذا كان على من يريد الانتساب الى هذه المهمة ان يستنطق تلك
الايات ليصبح على بصيرة من مراد القرآن فيه.
العلم والاطلاع:
على المبلغ دوماً ان يضيف الى معلوماته السابقة شيئاً جديداً وان يكون متابعاً لما
يجري في الساحة من تطورات علمية في مجال عمله فيكون دأبه القراءة والمطالعة لكي لا
يعرض له شيء وهو جاهل به، ولكي لا يكون مسؤولاً امام الله سبحانه وتعالى يوم
القيامة ويحمل وزر نفسه ووزر الاخرين الذين عملوا بمقالته وتابعوا قوله وسيرته، قال
تعالى: "ولا تقفُ ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كلٌ اولئك كان عنه
مسؤولا".
اضافة الى ذلك قد يفتري الجاهل على الله نتيجة لجهله وعدم علمه – وما ذاك الا لقلة
المطالعة في المسألة المطروحة - وقد يوقع الناس في الخطأ ويكون سبباً لضلالتهم بدل
ان يكون هادياً لهم وهذا ظلم في حق الاخرين: "فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا
ليضل الناس بغير علم". قال الامام الباقر عليهه السلام: "من افتى الناس بغير علم
ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب". فالمبلغ لكي يؤدي وظيفته
ينبغي له ان يلحظ الغزو الثقافي ويتمكّن من رد الشبهات التي تثار من قبل الاعداء
وان يكون مراوداً للقران واحاديث اهل البيت عليهم السلام ويتعلم بيان اصول الدين
بطريقة استدلالية وبيان فروعه ويعلمها للناس. اما بالنسبة للأخلاق والآداب
الاسلامية يجب على المبلغ ان يرجع فيها الى اهلها وان يتشاور مع علماء الاخلاق
الذين تربوا على مائدة اهل البيت عليهم السلام كما يلزم على المبلغ ان يكون ذا
معرفة باللغة والادب العربي ولغة البلد التي يزاول فيه التبليغ وكذلك عليه الالمام
بالمصطلحات الحديثة وان يكون ذا علم ومعرفة بالتأريخ الاسلامي وتأريخ البلد الذي هو
فيه وعليه ايضاً ان يكون ذا حظ ونصيب من الشعر والقصة والالغاز وان يكون ذا علم
بالاقتصاد والسياسة والقضايا الاجتماعية ولا نعني بالعلم والمعرفة هنا ان يكون
متخصصاً بهذه الامور عارفاً بها تمام المعرفة بل نعني بذلك ان لا يكون جاهلاً بها
فاذا علم المبلغ بالأمور التي ذكرت سوف يصبح مبلغاً ناحجاً وموفقاً بعونه تعالى.
سعة الصدر والصمود:
الحق والباطل امران ضروريان في المجتمع فمتى ما كان الحق موجودا كان الباطل ايضاً
موجوداً اي يعرف الحق من الباطل والباطل من الحق. ومبلّغ الحق عادة ما يواجه دعاة
الاباطيل ويعاني منهم الويلات ويكونوا حجر عثرة في طريقه لذا عليه ان يقاومهم وان
لا يتزلزل من باطلهم "فاما الزبد فيذهب جفاءاً" كما عليه ان يتأسى بالأنبياء ودعاة
الحق الذين سلكوا طريق الانبياء لانهم اتهموا بانواع التهم والافتراءات الا انهم
وتدوا في الارض اقدامهم ولم تزلزلهم العواصف وما ذاك الا لإيمانهم بهدفهم وغايتهم
فسعة الصدر اذن من ضروريات المبلع ولهذا طلب النبي موسى عليه السلام من ربه حينما
بعث بالنبوة ان يشرح له صدره فقال: "رب اشرح لي صدري ويسر لي امري" وورد الخطاب من
الله تعالى لنبينا نبي الرحمة (ص): "الم نشرح لك صدرك" وهذا دليل على اهمية سعة
الصدر بالنسبة الى الانبياء والمبلغين ثم علق سبحانه وتعالى ثبات القدم والمقاومة
غلى ذلك اي: بما اننا مننا عليك ورزقناك سعة الصدر عليك ان تقاوم اعداء الدين ولا
تضعف امامهم ولا تهن: "فاستقم كما امرت" وعليك ان تطرد الحزن والضجر عن نفسك لان
القوة بيد الله وسوف يمن سبحانه وتعالى بها عليك: "ولا يحزنك قولهم ان العزة لله
جميعا هو السميع العليم".
* منهاج التبليغ