مقدمة:
ذكرنا في المواضيع السابقة تعريف الخطابة من وجهة نظر العلماء وتطرّقنا الى بيان
سبعة أنواع منها، وفي هذا الموضوع سوف نواصل البحث ونذكر نوعين آخرين لها:
الخطابة الترحيبيّة:
هذه الخطبة تُلقى أحياناً لمدح الأشخاص وانتقادهم ولا تُلقى عادة الا في المجالس
الرسمية الا أنها لا تختص ببعض الناس دون غيرهم ولا ترتبط بشريحة اجتماعية خاصة بل
ان جميع الناس يمكن أن يلقوها او يكونوا موضوعاً لها. ولا بدّ من القول بأن هذه
الخطبة تُستعمل في أغلب الأحيان لمدح الاشخاص وقلّ ما تُستعمل للذمّ والانتقاص كما
هو المعروف والمتبادر من تسميتها.
فالمدح والقدح هما من الأمور التي اكد عليها القران الكريم تأكيداً كبيراً وقد كان
امير المؤمنين عليه السلام من الذين مدحهم القران الكريم حيث قال تبارك وتعالى:
"إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) الاحزاب. وقال ايضا: "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) المائدة. لذا بعد ان نتخبه الحق
عز وجل لأمرة المسلمين خاطب نبيه (ص) قائلا: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ
مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ
رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) المائدة.
وقد صدح بهذا الامر النبي المصطفى(ص) في غدير خم حيث قال: "من كنت مولاه فعلي
مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله" فتلتها
الاية الكريمة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" المائدة 3. وبالطبع فإن هذه
المنزلة الرفيعة للامام علي عليه السلام هي جزاء له لوقوفه مع الحق ودفاعه عن العدل
دون ان تأخذه بالله لومة لآئم وقد قال رسول الله(ص): "علي مع الحق والحق مع علي
يدور معه حيثما دار" كما مدح الرسول الاعظم (ص) الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء
عليها السلام قائلا: "يا سلمان من أحب فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومن أبغضها
فهو في النار، يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة موطن أيسر تلك المواطن الموت والقبر
والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه، ومن رضيت
عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه فاطمة غضبت عليه، ومن غضبت عليه غضب الله عليه، يا
سلمان ويل لمن يظلمها ويظلم ذريتها وشيعتها (بحار الانوار).
الخطابة الحسينية (المأتم الحسيني):
إحدى الخطب التي تتميز عن سائر الخطب الأخرى هي الخطبة الحسينّية ولدورها
الفعّال في حفظ كيان الاسلام وكيان التشيع ونذكرها هنا بشكل مستقل.
تنتشر هذه الخطبة في المناطق العربية ونشاهد اندفاع الناس اليها يزداد يوماً بعد
يوم ويمكن القول بأن هذه الخطبة هي من أحسن الخطب التي قامت بنشر التراث والثقافة
الاسلامية عن مذهب أهل البيت عليهم السلام ويركز الخطيب في هذه الخطبة على فاجعة
الطف الدامية ويطرح العديد من الابحاث فيها.
تتكون هذه الخطبة من الحمدلة والثناء على الله تعالى وابياتاً من المدح والرثاء ثم
يذكر الخطيب البحث وبعد ذلك يعرج الى ذكر المصاب وغالباً ما تبدأ هذه الخطب بهذه
الصورة: "صلى الله عليك يا سيدي ويا مولاي يا رسول الله، صلى الله عليك وعلى اهل
بيتك المظلومين، ما خاب من تمسك بكم وأمن من لجأ اليكم يا ليتنا كنا معكم فنفوز
والله فوزا عظيما" .
أو هكذا: صلى الله عليك يا سيدي ويا مولاي يا اباعبد الله .صلى الله عليك يا ابن
رسول الله، يا رحمة الله الواسعة ويا باب نجاة الأمة يا غريب يا مظلوم كربلاء، ما
خاب من تمسك بكم وأمن من لجأ اليكم يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيما".
منهج التبليغ