إنّ الخطاب الإلهيّ لاشتماله على أكمل محتوىً، والنّابع من أهمِّ مصدر على الإطلاق
يمتاز بالكثير من الخصائص.. منها:
الحقَّانية:
الحقّ لغةً بمعنى الثّابت، المستقرّ، وأن يكون ثابتاً أي لا يتطرّق
الإنكار إليه[1].
وعلى هذا الأساس، فإنَّ المقصود من حقّانية الخطاب، في مجال تبليغ الدِّين، هو
العرض الصّحيح للمعتقدات والشّعائر الدّينية[2]، وحيث أنَّ مبدأ الخطاب في الخطابات
الإلهيّة، هو ذات الحقّ المطلق فإنَّ خطابه أيضاً هو حق: {...تِلْكَ آيَاتُ
الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ...}[3].
وفي هذا المجال يقول الأستاذ آية الله جوادي آملي: "لا يوجد أيُّ ترديدٍ وشكٍّ في
أصل الدِّين والكتاب لأنّه حقّ: {...وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
الْحَقُّ...} فالكلام عندما يُسند إلى الله تعالى، فإنَّه لا يمكن أنْ يتطرَّق أيُّ
شكِّ وترديدٍ إلى محتواه ومدلوله. أي أنَّ كلام الله مُحكَمٌ بحيث لا يَحتَمِلُ
الشكَّ سواءً من حيث السَّند أم من حيث المتن. بعبارة أخرى، سواءً من حيث استناد
هذا الكلام إلى الله، أم من حيث محتوى الكلام- أيْ الدّاعي ودعوته- فإنَّه مصونٌ من
الشَّك"[4].
بيان القرآن للحقّ والباطل:
يقول القرآن الكريم في توصيف الحقّ وتشخيصه في مقابل الباطل: {أَنْزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ
زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ
أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ
فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ
فِي الأرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ}[5].
وأنتم أيّها المبلّغون الكرام، تعلمون بأنَّ الخطاب الدّيني، والرّسالة الإلهيّة
تُعدّ من مصاديق الحقّ وقد تعرَّضَتْ بشكلٍ كبيرٍ للوضع والتَّحريف، ولذا يجب علينا
اتّباعًا للحقّ ولديمومته؛ أن نقدِّم تلك الخطابات بعيداً عن أيّ نوعٍ من التّحريف؛
لئلّا يبقى أيّ مجالٍ للباطل وفي غير هذه الصّورة فإنَّها – أي الخطابات- ستتلوّن
بلون الباطل وتنتشر آثاره السلبيّة والهدّامة[6].
[1] لغت نامه دهخدا (قاموس دهخدا).
[2] معارف القرآن، ص162.
[3] سورة الرعد، الآية 1.
[4] تفسير موضوعى قرآن، ج1، ص50 و52.
[5] سورة الرّعد، الآية 17.
[6] نهج البلاغة، الخطبة50: "إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تُتّبَع وأحكام تُبتدَع ..
فلو أنّ الباطل خلُص لم يخفَ على ذي حِجى، ولو أنّ الحقّ خلُص لم يكن اختلاف، ولكن
يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيُمزجان معًا فهنالك استحوذ الشّيطان على أوليائه،
ونجا الّذين سبقت لهم من الله الحسنى".