ومن أهمّ الخصائص الّتي يجب على المبلّغ الدّيني امتلاكها:
- التّوكّل:
{...وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَ بِاللَّهِ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[1].
من أهمِّ عوامل الموفّقية في التّبليغ الدِّيني؛ إمتلاك مثل هذه الفضيلة
الأخلاقيّة؛ أي التّوكّل على الله تعالى.
وحقيقة التّوكّل تعني الثّقة بالله عزّ وجلّ والاعتماد عليه في كلِّ الأمور
والنّشاطات، ولا منافاةَ لهذا الأمر مع تهيئة الأسباب والمقدّمات شرط ألا نعتقد
بكون الأسباب هي الأصل الأساس.
ولذا لا بدّ للإنسان وبكل قوّة، أن يستفيد من أيّ وسيلة ماديّة مشروعة من أجل
التّغلّب على مشاكله والموانع الّتي تعترض طريقه، إلاّ أنّه مع ذلك لا بدّ أن يستند
إلى لطف خالقه وقدرته المطلقة، وأن يعلم بأنّ توفيقه في حلّ مشاكله إنّما هو من
الله تعالى.
عندما أرادَ النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) الهجرة من مكّة إلى المدينة، لم
يُقدِم على ذلك جهاراً ومن دون خطّة ودراسة، بل إنّه ومن أجل استغفال العدو، أمَرَ
-من جهة- الإمام علي (عليه السّلام) بالمبيت في فراشه إلى الصباح، -ومن جهة- أخرى
خرج من مكّة ليلًا متخفيّاً، وبدل أن يتّجه شمالًا نحو المدينة توجّه مؤقّتاً ناحية
الجنوب، وذهب إلى غار ثور وبقى هناك عدّة أيام متخفيّاً، وعندما يئس العدو من
العثور عليه، ابتعد (صلّى الله عليه وآله) عن مكّة وتحرّك نحو المدينة متنكّبًا
الطّريق؛ يسير ليلًا ويتخفّى نهارًا إلى أن وصل إلى مقصده.
وبناءً على ذلك فإنَّ النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) ورغم أن روح التّوكّل تغمر كلّ
كيانه، لم يمنعه ذلك من تجاهل الأسباب الظّاهريّة ولو للحظة واحدة.
إنَّ التوكّل بالمفهوم الصّحيح للكلمة يعني الباعث للأمل والعزم والاعتماد على
النّفس وتقوية الإرادة، والموجب للشّجاعة والشّهامة، وبناءً على ذلك فإنّك عندما
تهمّ بأيّ نشاط تبليغيّ ينبغي لك أن لا تتهيّب من قلّة النّاصر والإمكانات ومؤامرات
الأعداء ومخطّطاتهم، ودائماً لا بدّ لك أن تستعيذ بالله وتلجأ إليه في كلّ مشاكلك،
لأنّ كلّ شيء في عالم الوجود واقعٌ تحت سلطته وقدرته وأوامره[2].
(إذا أردتَ التّوكّل فاعمل واكسب بعد الاتّكال على الجبّار(الله) [3].
اتّكل على الجبار ليوفّقك ثانية وإلا أُصبتَ ببلاء الّتيه والضّلال)
[4].
ونُقِل أنّ النّبي الأكرم(صلّى الله عليه وآله) قال لذلك الإعرابي الّذي ترك ناقته
مهملة فندت، لِما تركتَ جملك: فقال الإعرابي توكّلت على الله فتركتها، فقال
النّبي(صلّى الله عليه وآله): إعقل وتوكل[5].[6]
إذا كان المبلّغ متوكّلاً على الله تعالى فإنّه:
أ- يكون مأمونًا من شرّ الشّيطان.
{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الّذين
آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[7].
ب- ينال عطاء الله وثوابه.
{... نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الّذين
صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[8].
ج- يكون الله شاهدًا على أقواله وأفعاله.
{... وَاللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}[9].
د- سوف يكون محبوبًا لله.
{...إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[10].
[1] سورة هود، الآية 88.
[2] انظر: أخلاق در قرآن، (الأخلاق في القرآن)، ناصر مكارم الشيرازي، ج2، ص249-
275. بتصرف.
[3] تفسير ونقد وتحليل مثنوى، ج1، ص431.
ﮔـر توكل مـي كنى در كار كن كسب كن بس تكيه برجباركن
تكيــه برجبار كن تـاوا رهــى ورنه افتـى در بلاي ﮔـمر هى
[4] ترجمة الأبيات الفارسية، (المترجم).
[5] تفسير ونقد وتحليل مثنوي، ج1، ص420. المحجّة البيضاء، ج7، ص426.
[6] ﮔـفـت بيغــمبـر به آواز بلند باتـوكـل زانــــوي اشتـر ببند
رمز الكاسب حبيب الله شنو از توكل در سبب كاهل مشو
(قال النبي (صلّى الله عليه وآله) بصوت قوي مع التوكل أعقل قدم ناقتك اسمع سر
الكاسب حبيب الله لا تهمل التوكل على الأسباب)
[7] سورة النحل، الآية 99.
[8] سورة العنكبوت، الآية 59.
[9] سورة القصص، الآية 28.
[10] سورة البقرة، الآية 159.