ومن أهم الخصائص الّتي يجب على المبلّغ الدّيني امتلاكها:
- الأمانة:
{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}[1].
الأمانة بمعنى الحفظ، وحفظ شيء وإيداعه عند أحدٍ ما ليرجعه إلى صاحبه في زمان
معيّن؛ بلا أيّ نقصٍ وعيبٍ، ومع التّقصير في حفظها فإنّه يضمن ذلك، بمعنى أنّه لا
بدّ له أن يجبر الخسارة الواردة على تلك الأمانة[2].
الأمانة في المصادر الدِّينية:
وُصِف أنبياء الله في القرآن الكريم بالأمانة، قال الله تعالى: {إِنِّي
لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}[3]. وقد تكرّر ذكر العديد من الأنبياء الذين ذكّروا
أقوامهم بأنّهم “أمناء” ليطمئنّوا إليهم ويميلوا نحوهم.
وقد اشتهر رسول الله(صلى الله عليه وآله) بين قومه بأنَّه محمّد “ الصّادق الأمين”،
وقد كانت قبائل قريش وغيرها من قبائل العرب يودعون أماناتهم عند النّبي(صلّى الله
عليه وآله)، وقد استمرَّ هذا الأمر إلى ما بعد البعثة، ورُوي أنه(صلّى الله عليه
وآله) بعد هجرته من مكّة إلى المدينة، أمر عليًّا(عليه السّلام) بالبقاء مدّة من
الزمن في مكّة ليؤدّي الأمانات إلى أهلها[4].
وفي رواية عن الإمام الصّادق(عليه السّلام)، قال:
“إنّ الله عزّ وجلّ لم يبعث نبيًّا إلاّ بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البِرِّ
والفاجر”[5].
وفي رواية أخرى عنه(عليه السّلام) يبيّن أهميّة الأمانة قائلًا:
“لا تنظروا إلى طول ركوع الرَّجل وسجوده، فإنَّ ذلك شيءٌ اعتاده، فلو تركه استوحش
لذلك، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته”[6] .
الإرشادات:
وأنت أيها المبلّغ يا من حظيت بافتخارٍ كبيرٍ، ألا وهو تبليغ الدِّين،
لا بدّ أن تدرك جيّداً أنه قد أُودعت أمانتين غاليتين؛ ومن الواجب عليك أن تقوم
بحفظهما:
الأولى: الخطاب الإلهي (معارف الدِّين وأحكامه).
الثانية: المخاطَبون بهذا الخطاب.
وسوف نشير هنا إلى بعض المسؤوليات المـُلقاة على عاتقكم أيها المبلّغون الأعزّاء
فيما يرتبط بالبلاغ والخطاب، وهي:
أ- أخذ المعلومات بشكلٍ مطمئنٍ ومحرزٍ من المصادر الموثَّقة والمعتبرة، نظير:
القرآن الكريم، سيرة النّبي(صلى الله عليه وآله) والأئمّة الأطهار(عليهم السّلام)،
والسّنَّة القطعية الواردة عنهم(عليهم السّلام)، والعقل (الأدلّة العقليّة).
ب- من المهمّ جدًّا الاطّلاع على كيفيّة استنباط المفاهيم الشّرعية من الموارد
المذكورة، ولمعرفة الطُّرق إلى ذلك لا بدّ من الرّجوع إلى مصادر علوم القرآن،
المنطق، أصول الفقه، الرّجال، الدّراية و...
ج- مطالعة وتحقيق المـُتون الدِّينية بموضوعية دون الأحكام المـُسبقة.
ولا بدّ أن يكون كلّ سعيك هو الفهم الأفضل لمعاني كلام الله تعالى والأئمّة
المعصومين(عليهم السّلام)، وينبغي أن لا تحمِّل الآيات والرّوايات رأيك الشّخصي
وأفكارك الخاصّة بك.
د- يجب علينا جميعًا أن لا نقع في التّحريف الّلفظي والمعنوي والتّفسير بالرّأي.
هـ- لا تنسب إلى الدِّين ما لا تقطع بأنّه من الدِّين.
ومن جملة الأمور التي يجب على المبلّغ رعايتها بالنّسبة للمخاطَبين:
لا بدّ أن تعلم بأنّ رسالتك هي كشف وتنمية الاستعداد الفطري عند هؤلاء
المخاطَبين، ومساعدتهم من أجل تقوية ارتباطهم وعلاقتهم بالله، وأن تعرِّفهم بشكلٍ
أفضل على كلام خالقهم الباعث فيهم الرّوح.
ومن هذه الجهة، ومضافًا إلى التّوصيات التي تقدّم ذكرها حول المعرفة والإخلاص
والصّدق، لا بأس بالتّذكير بهذه الملاحظات:
1- لا تُقدِم في أيّ وقت على ممارسة التّبليغ (الخطابة والتّدريس التّأليف...)
من دون المطالعة والتّحقيق والتّحضير المسبق.
2- اعتبر نفسك مسؤولًا عن أوقات المخاطَبين.
3- اذكر لهم المفاهيم الصّحيحة والمـُتقنة، واجتنب الكلام المشكوك والمـُبهم
والمتشابه؛ فلدينا ما لايحصى من المطالب المحكمة والقطعية التي تغنينا عن ذكر
المطالب المتشابهة والتي لا يمكن إثباتها.
4- الاستفادة في تعليم المفاهيم الدِّينية من الأساليب الجذّابة والجميلة
والمشروعة، وإيَّاك أن تُسيء انتخاب أسلوب التّبليغ المناسب، لئلاّ يبعث على نفور
النّاس من الدِّين.
5- لو سُئلت أيّ سؤال لا تعرف إجابته، قل لهم وبدون ترددٍ وخجلٍ “لا أعلم”، وقم
بإرشاد السّائل إلى من يعلم تلك المسألة.
6- اسعَ لِأن تُفهرس المطالب العلميّة التي تريد بيانها، مرتّبًا إيّاها من حيث
الشّروع والانتهاء، فإنّ ذلك يساهم بشكلٍ أفضل في زيادة الفهم والتّأثير عند
المخاطَب.
وفي هذا المجال، ذكر أحد العلماء بأنّه كلّما أردتُ إلقاء محاضرة ومع أنّني مطّلعٌ
بشكلٍ كاملٍ على الموضوع؛ إلّا أنّني ومن أجل تلك المحاضرة التي تستغرق حدود الساعة
من الوقت تقريباً أشتغل بترتيب الكلام؛ ووضع الملاحظات ما يقارب السّاعة أيضًا، ومن
ثمّ أقوم بحفظ التّرتيب والفهرس الّذي وضعته.
[1] سورة الأعراف، الآية 68.
[2] بالاستفادة من قاموس دهخدا، مادة. أمانة، والمصطلحات المشابهة لها.
[3] سورة الشّعراء، الآيات: 107، 125، 143، 162، 178.
[4] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج19، ص62. سفينة البحار، ج1، ص161- 162.
[5] الشّيخ الكليني، كافي، ج3، ص162، ترجمة وشرح مصطفوي.
[6] م.ن.