ومن أهم الخصائص الّتي يجب على المبلّغ الدّيني امتلاكها:
الوفاء بالعهد:
{...وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ
كَانَ مَسْئُولاً}[1].
الوفاء بالعهد بمعنى الإتيان بما عاهد عليه، والثّبات على أقواله وأفعاله، وبمعنى
إجراء العقود وعدم نقضها[2].
من الآداب المهمّة التي يليق بالمبلّغ الدِّيني الاهتمام بها والتوجّه إليها،
الوفاء بالعهد والميثاق والصدق في محبّة النّاس وخدمتهم، وقد اعتبرتْ الآيات
القرآنية الشريفة وكذلك الرّوايات الإسلاميّة مسألة الوفاء بالعهد من صفات المؤمنين
والمـُحسنين، وفي المقابل فإنَّ نقض العهود من خصائص المنافقين[3].
إنَّ الوفاء بالعهد من جُملة الحقوق التي كُلِّفنا القيام بها أمام كلِّ إنسانٍ،
سواءً كان مسلماً أم لا، وسواءً كان مُحسِناً أم فاسداً؛ وبعبارةٍ أخرى فإنَّها من
الحقوق الإنسانية ولا اختصاص لها بالأُخوّة في الدِّين[4]، ونقرأ في حديثٍ من
الإمام الصّادق(عليه السّلام) أنّه قال:“ثلاث لم يجعل الله عزّ وجلّ لأحد فيهنّ
رخصة: أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر، وبرَّ
الوالدِّين برّين كانا أم فاجِرَين”[5].
أقسام العهد والميثاق:
1- العهد مع الله:
لو عاهد الإنسانُ اللهَ بصيغة العهد (سواءً كان بالّلغة العربيّة أم بالّلغة
الفارسيّة) فقال مثلاً: “عهداً للهٍ عليّ إذا شُفيت من مرضي أن أصوم لله ثلاثة أيامٍ،
أو أن أتصدّق بكذا وكذا” وجبَ عليه الوفاء بالعهد، ولو خالف في ذلك وجبَ عليه
التّكفير، وكفّارته على المشهور ككفّارة الإفطار في صيام شهر رمضان المبارك.
ولو لم يعاهد الإنسان لفظاً بل عقد على ذلك قلبيّاً، فالأفضل له أيضاً الوفاء بما
عاهد الله عليه.
2- العهدُ مع النّاس:
ويشمل مثل هذا العهد كلّ عهدٍ ووعدٍ وميثاقٍ، فإذا قام على أُسس وضوابط
شرعيّة وعقليّة فيجب الوفاء به، وأمّا العهود الأُحاديّة (أي التي تكون من طرفٍ
واحد) كأن يعاهد الإنسان غيره بمساعدته وتسمّى أيضاً بالعهود الابتدائية، وكذلك
الوعود الأحاديّة فإنّه لا يجب الوفاء بها من النّاحية الفقهيّة، نعم، إنَّ استحباب
الوفاء بها مؤكّد، وأما من النّاحية الأخلاقية فإنّ كلّ هذه الموارد مُحترمة، ولا
بدّ من العمل بها، وإلّا فإنّ الإنسان سيُحرم من نَيْل المقامات الإنسانية العاليّة
والفضائل الأخلاقيّة.
3- العهد مع النفس:
إنَّ العهود التي يتّخذها الإنسان مع نفسه عند تهذيبها، وكذلك من أجل تنمية الفضائل
والصفات الحسنة والقيام بالأعمال الصالحة، مفيدةٌ جدّاً، ولها تأثيرها البنّاء عليه.
ومن جملتها ما ذكره عرفاء الإسلام بعنوان “المشارطة” والتي يتبعها “المراقبة”، ومن
ثمّ “المحاسبة”، حيث اعتبروا المشارطة من جملة الخطوات الأولى في السّير والسّلوك.
والمـُراد منها أن يُعاهد الإنسان نفسه في كلِّ صباح بأن لا يسير إلّا في مسير طاعة
الحقّ تعالى، وأن يجتنّب الذّنوب ويبتعد عنها، ومن ثمَّ يراقب في النّهار أعماله
لتكون على وفق عَهده وشرطه، وفي آخر يومه يحاسب نفسه، هل أنّه قام بمقتضى شرطه
وعهده أم أنّه لم يَقُم بذلك؟[6].
تذكير: عند التعهّد بأيِّ شيءٍ لا بدّ أن تُقيّم مدى قدرتك واستطاعتك على ذلك، فهل
يمكنك الوفاء بوعودك أم لا؟ وفي صورة عدم إمكانك فلا تعطي أيّ عهد ووعد[7].
[1] سورة الإسراء، الآية 34.
[2] انظر، لغت نامه دهخدا (قاموس دهخدا)؛ فرهنـﮓ فارسى معين (المعجم الفارسي معين)،
مادة وفاء وعهد.
[3] انظر ترجمة ميزان الحكمة (الطبعة الفارسية)، ج9، ص4100- 4105 و 4260- 4265،
وأيضاً ج14، ص6880- 6887و 6960- 6969؛ أخلاق در قرآن، مكارم الشيرازي، ج3،ص243-
266. أخلاق عملى، مهدوى كنى ج1، ص616- 622.
[4] انظر، تفسير نمونه، ج4، ص246 (تفسير الأمثل).
[5] أصول كافى، ج3، ص 236 (ترجمة وشرح مصطفوي).
[6] أخلاق در قرآن (الأخلاق في القرآن)، مكارم الشيرازي، ج3، ص261- 263 (بتصرف).
[7] انظر، أخلاق عملى (الأخلاق العملية)، مهدوي كنى، ج2، ص622.